عبد القادر شهيب
شيء من الأمل - مصر أهم من عكاشة
لم يكن الرئيس السيسي يستهدف فقط بمبادرته «صبح علي مصر» حث المواطنين علي التبرع لسد النقص في أموال صندوق تحيا مصر التي تذهب بشكل مباشر لإنقاذ القري الأكثر فقرا وتوفير مساكن لأصحاب الدخول المحدودة و علاج مرضي فيروس سي، وإنما كان هدفه الأهم هو حشد وتعبئة المصريين والحفاظ علي تماسكهم الوطني والتسلح باليقظة الدائمة في مواجهة تآمر عليهم مستمر ولم يتوقف يبغي أصحابه دفع بلادنا إلي مصير دول شقيقة تمزقت وغرقت في الفوضي ويبحث أهلها عن ملاذ آمن.. ولكن مافعله النائب والإعلامي توفيق عكاشة بدعوته للسفير الاسرائيلي وعرض صفقة عليه، وما فعله الإعلام معه يصرف انتباه الرأي العام عن هذا التآمر الذي تتعرض له البلاد ويشغلنا عن الاستعداد معنويا لمواجهته ويعوق حشد وتعبئة المصريين والحفاظ علي تماسكنا الوطني!
انظروا إلي ما حدث خلال الايام القليلة الماضية منذ أن لبي السفير الاسرائيلي دعوة توفيق عكاشة.. لقد صار هذا هو الخبر الأول والأهم في كل وسائل إعلامنا، حتي إن بعضها نسي أو تناسي أخبارا مثل زيارة الرئيس السيسي إلي اليابان ومن قبلها كازاخستان ومن بعدها كوريا الجنوبية، ومثل التفجيرات التي أمكن إحباطها في الجيزة، وأيضا مثل المشكلة التي تحتاج لعلاج سريع التي حدثت بعد الحكم بالسجن علي صبية بتهمة ازدراء الاديان.
لقد شغلنا عكاشة وشغلنا نحن أنفسنا أيضا بما فعله، خاصة أنه ليس أمرا صادما فقط لمشاعر الأغلب الأعم من المصريين الذين رفضوا رغم مرور عدة عقود علي إبرام معاهدة كامب ديفيد التطبيع شعبيا مع الاسرائيليين الذين مازالوا يحتلون أراضي الاشقاءالفلسطينيين ويرفضون إقامة الدولة الفلسطينية ويصرون علي تهويد مدينة القدس الشرقية.. لعدة أيام مضت وحتي الآن ونحن مشغولون بما قاله عكاشة للسفير الاسرائيلي، خاصة أن ما قاله ليس فقط مثيرا للاستفزاز وإنما هو يتجاوز دوره كإعلامي أو برلماني.. ومشغولون بما ينوي أن يفعله عكاشة مستقبلا، خاصة أنه يروج لما يفعله وكأنه عمل بطولي وليس عملا أخرق يستغل فيه الإسرائيليون الذين يدركون مثل البعض منا أنه شخص مغرم بأن يكون شهيرا ومحل الاهتمام دوما.
لقد صار الحديث الأهم والأول الآن هو تداعيات دعوة عكاشة للسفير الاسرائيلي، والتي لم تقتصر فقط علي الهجوم المتبادل بينه وبين بعض الشخصيات والتي وصلت إلي درجة «فرش الملاية»، ولا مناقشة قيام نائب مخضرم هو النائب كمال أحمد بضربه بالحذاء، واحالة النائبين إلي لجان خاصة للتحقيق معهما، وإنما امتدت هذه التداعيات ايضا لتخصيص عكاشة قناته التي تملكها والدته للهجوم علي الناصريين واليساريين والنيل من الزعيم جمال عبدالناصر، والتهجم علي عدد من المسئولين الحاليين، وامتدت كذلك إلي تخصيص وسائل اعلامنا المساحة الأكبر من اهتمامها ووقتها لتناول أمر عكاشة وشخصه بل ودوافعه.. ووصل الامر إلي درجة أن البعض قاده الخيال إلي تصور أن عكاشة لم يفعل ذلك من تلقاء ذاته وإنما فعله - مثل اشياء أخري عديدة سابقة - مدفوعا من قبل جهاز أمني أو سيادي وبتكليف منه من أجل تحقيق هدف ما!
وهكذا.. قدم عكاشة بما فعله، وقدم الاعلام المهتم به خدمة ليس بسيطة لمن يتآمرون علينا ويستهدفون النيل من كيان دولتنا الوطنية، وهو صرف انتباه الرأي العام لبعض الوقت، حتي يتآمروا علينا بهدوء!
أنا هنا - بوصفي صحفيا - لا أقول بتجاهل ما فعله عكاشة صحفيا وإعلاميا.. فهذا أمر لا يصح صحفيا وإعلاميا.. ولكنني أقول فقط يجب ألا تنشغل بمايفعله عكاشة وبما يقوله أو غير عكاشة عن الاخطار التي تحدق بنا والتآمر الذي يستهدفنا.. فهذا ما يبغيه عكاشة، وأي عكاشة، الذي يحلو له أن يكون مركزا للاهتمام الاعلامي، و هذا أيضا ما يبغيه من يتآمرون علينا الذين يدركون أن مؤامرتهم لن تنجح ولا تجدي إلا اذا فقدنا نحن اليقظة وتخلينا عن تماسكنا الوطني ولم نحتشد لمواجهتهم مثلما احتشدنا من قبل وتمكنا من تعطيل مؤامرتهم قبل ثلاثة أعوام مضت.. وهذا ما ينبه إليه الرئيس السيسي دوما ويحرص علي تحقيقه بوسائل شتي سواء بالقول أو بالعمل.. بالقول كما أوضح في خطابه الاخير بمناسبة اطلاق استراتيجية مصر ٢٠٣٠.. وبالعمل مثلما حشد المصريين من أجل إنجاز مشروع قناة السويس الجديدة.. لكن الحشد والتعبئة الشعبية تحتاج لعمل دائم وقول مستمر.