المساء
مؤمن الهباء
شهادة -البيضة المعجزة!!
عندما يصل الأمر إلي احتفاء محافظ المنيا بـ"بيضة" وجد مكتوباً عليها لفظ الجلالة.. واها دليلاً علي قدرة الله وعظمته فلابد أن تعيد التفكير ألف مرة في "العقل المصري" الذي وصل إلي هذا المستوي بعد سنوات طوال ظللنا نردد فيها شعارات التنوير والتثقيف والإصلاح الديني.. وأنفقنا فيها ملايين الملايين من الجنيهات من عرق أبناء هذا الشعب علي المؤسسات الثقافية والدينية.. ثم وصل بنا الحال إلي البيضة المعجزة.
الحكاية بدأت مع الدكتور مدحت عبدالوهاب مدير محطة دواجن "شوشة" بمحافظة المنيا الذي فوجئ وهو يتفقد إنتاج البيض الكثير ببيضة متفردة.. قرشتها الخارجية متعرجة.. وقد أخذ هذا التعرج شكل لفظ الجلالة فبهت الرجل.. وتصور أن الله سبحانه وتعالي قد ساق إليه آية من آياته ليزيده إيماناً فوق إيمانه.. لذلك حمل البيضة بكل عناية إلي مكتبه واحتفظ بها من باب التبرك.. ولكن عندما جاء السيد المحافظ اللواء طارق نصر محافظ المنيا لزيارة المحطة لم يجد أفضل من البيضة يهديها إليه فينبهر المحافظ بالمعجزة الخارقة.. ويتأملها بعمق وخشوع ممتزج بفرحة غامرة.. وبهذه المناسبة يصدر قراراً بمكافأة العاملين.
يقول الدكتور مدحت إن هذه البيضة تأكيد من المولي عز وجل علي قدرته العظيمة جل شأنه.. ويقول السيد المحافظ إنها تجسيد لقدرة الله سبحانه وتعالي.. فكل ما حولنا يسبح بحمده وعظمته.
وهكذا تحولت المسألة علي بساطتها إلي مناسبة دينية وإيمانية تخشع لها القلوب.. مع أنها بعيدة كل البعد عن ذلك.. وقد مرت بنا أشياء كثيرة مشابهة كانت فتنة يضطرب لها الناس.. ويهتز بها إيمانهم.. ولم تكن أبداً معجزة ولا آية.. أفرع شجرة ملتوية تظهر علي شكل لفظ الجلالة وتتحول الشجرة إلي فتنة.. وعروق في يد شاب أو فتاة تأخذ شكل لفظ الجلالة تتحول إلي فتنة.. وكأن إيماننا معلق ينتظر مثل هذه الظواهر المادية التي هي أقرب إلي التصور منها إلي اليقين لكي يستقر في الضمير والوجدان.
وقبل فتنة "البيضة المعجزة" وما نشر عنها بالصحف والمواقع الإخبارية علي الإنترنت كانت هناك فتنة "البقرة المبروكة" التي يشفي حليبها كل الأمراض.. وكانت هناك أيضاً فتنة العفاريت التي تشعل الحرائق في إحدي قري الدلتا بدون سبب.. وأدت إلي خسائر جسيمة.. ولم تتوقف إلا بعد أن تدخل أحدهم وأخرج الشيطان الملعون من القرية.. وقد أثارت كل من هاتين الفتنتين ضجة واسعة في الإعلام وشغلت الناس كثيراً.. وانقسموا بين مصدق ومنكر ومستنكر.
والخطر كل الخطر أن يربط بعض الطيبين حسني النية بين هذه الظواهر وبين قضية الإيمان.. ويعتبروها خوارق وآيات ربانية لإثبات قدرة المولي عز وجل وإعجازه.. والمسألة ليست كذلك علي الإطلاق.. ولسنا في حاجة إليها.. فإيماننا قد اكتمل بحمد الله.. وديننا قد اكتمل بحمد الله.. وهو دين العقل والمنطق.. وأكبر دليل علي ذلك أننا لم نقرأ أشياء من هذا القبيل في عهد النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ولا عهد الخلفاء الراشدين.. وهذا يؤكد ارتباط مثل تلك الخزعبلات بالتدهور الحضاري والثقافي والعقم الذي أصاب "العقل العام".
ولو ظهرت مثل هذه الفتن في عهد النبي أو أحد من خلفائه الراشدين لكسر البيضة وذبح البقرة وعاقب كل ساحر أو عراف في المدينة.
ونحن الآن نتحدث كثيراً عن التجديد الديني وتطوير الخطاب الديني ومع ذلك لم نجد لهذه الشعارات صدي علي أرض الواقع.. فمازال العقل المصري العام ـ وفي أعلي مواقعه ـ يبحث عن الخرافة والخزعبلات.. ويصدق الدجالين والسحرة.. ويركن إلي التفكير غير العلمي.. وكلها أمور تصطدم مع الدين الحق والإيمان القويم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف