الوطن
د. محمود خليل
تعاطفك لوحده مش كفاية..!
مشهد كوميدى كشفه موضوع التبرع من أجل «دعم مصر»، كان بطله تحالف «دعم مصر». فما إن انطلقت دعوة «صبَّح على مصر» لجمع تبرعات تساعد -ولو بشكل جزئى- فى تجاوز المحنة التى يعيشها الاقتصاد، حتى اقترح بعض النواب التنازل عن نصف مستحقاتهم شهرياً (7500 جنيه) لمدة 10 أشهر متتالية، الدعوة لاقت قبولاً من جانب البعض، لكن أعضاء «دعم مصر» استكثروا المبلغ، وقالوا «كفاية أوى 500 جنيه تبرع فى الشهر»، يعنى خفضوا المبلغ المقترح بنسبة تقترب من 70%. الفصال كما تعلم جزء من الثقافة المصرية، وربما كان تبنّى تحالف «دعم مصر» لفكرة التنزيل تلك محاولة من أجل إقناع المصريين أنهم من عجينة الثقافة المصرية التى تهوى الملابطة، عند الدفع، خصوصاً إذا كان الموضوع «تبرع»!.

«دعم مصر» بكل كهنتها ورموزها الذين أغرقوا آذان الشعب -طيلة الشهور الماضية- بأحاديث عن «حب مصر» والعمل من أجل مصر، واتهموا غيرهم بالخيانة والعمالة، يبخلون على مصر!. ما أكثر ما سمعت من بعضهم أحاديث عن «مؤامرة يناير»، وشوية شوية كانوا عاوزين يقنعوا الشعب أنهم رسل العناية الإلهية لإنقاذ البلاد من المؤامرة الكونية التى تدار ضدنا، وأن تلك القائمة هى القادرة على قيادة مجلس النواب فى تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر، حيث تكاثرت علينا دول العالم، كما تتكاثر الأكلة على قصعتها. ليس بوسع منصف أن ينكر أن هناك مَن يتآمر بالفعل على مصر، لكن ليس فى مقدور موضوعى أن يقبل بتلك الأفكار التى ثرثر بها هؤلاء حول زعماء أعتى وأكبر الدول الذين يستيقظون من نومهم ويفركون أعينهم، لينطلقوا بعدها إلى طرح السؤال المعتاد على أنفسهم: ماذا سنفعل فى مصر اليوم؟. هناك من يتآمر من الخارج على هذا البلد، نعم هذا صحيح، لكن يبقى أن ثمة مَن يساعد فى الداخل، إما بجهله، أو بأطماعه، أو بتواطئه.

واجب على أعضاء «دعم مصر» بمجلس النواب أن يخرجوا وينفوا ما نشرته «الوطن» يوم الثلاثاء الماضى، وأن يعضوا على اقتراح بعض النواب بالتبرع بنصف مخصصاتهم بالنواجذ، لأن شكلهم كان سيئاً للغاية، وهم يطرحون بديل الـ«500 جنيه»، خصوصاً أن بعضهم يتمتع بدخل كبير، ويحصد مكافآت من أماكن عمله فى مصر تفوق بكثير ما يحصل عليه نظراؤهم فى العمل فى أماكن أخرى، مع فارق الموهبة والقدرة بالطبع. ومن حقك أن تحدد هذا الفارق لصالح مَن؟!.

زمان.. كتب شاعر النيل «حافظ إبراهيم» قصيدة شعرية يدعو فيها للتبرع للجامعة المصرية، اعتمد فيها على قصة لطيفة، بطلها رجل يقف باكياً وهو يحمل عدة أرغفة إلى جوار كلب أهلكه الجوع، فمر به قوم وسألوه عن سر بكائه، فرد عليهم قائلاً: الجوع الذى ينهش هذا الكلب وينشب فيه الناب مغتصباً، فضحك منه الناس، وأشاروا إلى الدواء الذى يحمله فى يده، وقالوا له ألقِ له رغيفاً تعالجه وتنقذه، فتوقف عن البكاء وسكت وأشاح بوجهه عنهم!. كثيرون على استعداد للبكاء على هذا الوطن، ويشتعلون بالحماس وهم يدعون غيرهم لإنقاذه والتبرع له، بشرط أن يكون التبرع خارج جيوبهم. تعاطفك لوحده مش كفاية!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف