عباس الطرابيلى
هموم مصرية -حصدوا المليارات.. من قزازة الزيت
إذا كان البعض يري أن الخبز هو مفجر معظم الثورات، عبر التاريخ، فإنني أري أن زجاجة الزيت لا تقل خطورة عن رغيف الخبز، الذي هو العيش!! فالزيت لا يستغني عنه إنسان واحد.. وإن تنوعت الزيوت من الأكثر سعراً إلي زيت الصويا، واللفت وهو الأرخص سعراً.. ولكن اختفاء «قزازة الزيت» لا تتحمله أي أسرة.. سواء التي «تقلي» بها الطعمية والبطاطس والباذنجان إلي زيت الزيتون الأكثر صحية من باقي الزيوت.. ولكن ظهرت أزمة هذه الزجاجة في مصر منذ قتلنا بأيدينا زراعة القطن، وكان يوفر وحده حوالي 60٪ من زيت الطعام، حتي سنوات قليلة ماضية، وجعلتنا هذه الجريمة نستورد 95٪ مما نستورده من زيوت للعام.. ثم كان انخفاض الطلب علي زيت السيريج الذي هو من عصير السمسم. وتبعه الزيت الحار، من بذور الكتان.
** ولخطورة نقص زيت طعام مصري أخذت مافيا الزيت تقدم لنا زيوتاً أخري. منها الغالي مثل زيت دوار الشمس، والأقل سعراً وهو زيت الذرة.. ولا أنسي هنا تجربة أسرة الراحل عثمان أحمد عثمان الذي فكر في التوسع في زراعة الذرة الصفراء - وهي ثمرة اقتصادية عالية العائد! منها الزيت.. ومنها سكر الفريكتوز لصناعات السكر كالحلويات، والباقي يتحول إلي علف الحيوانات والدواجن.. بل ومصدر للطاقة، وحاول هذا العصامي تنفيذ مشروعه هذا في منطقة الصالحية الجديدة علي طريق الإسماعيلية وكانت بدايته زراعة 340 ألف فدان.. ولما تكالبت المافيا عليه، رغم أن مصر تحملت الكثير لزيادة طاقة المياه بترعة الإسماعيلية، حاولت الأسرة تكرار نفس التجربة ولكن علي طريق الإسكندرية الصحراوي!! ثم تم بيع المشروع كله لأبناء هيكل!!
** والزيت - عموماً - مادة دهنية لا تذوب في الماء. وتأتي من مصادر حيوانية مثل السمن والزبد، وأيضاً من منتجات نباتية.. وهناك أيضاً زيوت بحرية، من الدهون الحيوانية!! من الأسماك والحبار.
وهناك زيت الليمون.. وزيت النعناع. والفانيليا.. وزيت الزهر ولكن هناك أنواعاً أخري في مقدمتها زيت النخيل وهو الأكثر رواجاً بعد زيت فول الصويا، وماليزيا تتصدر إنتاجه عالمياً ونحصل عليه من اللب الذي يحتوي النواة والثمرة كلها تشبه البلح.. وحاول البعض تسويقه في مصر لاستخدامه كزيت للطعام وقالوا إنه يساعد مرضي ارتفاع الكوليسترول ولكنه يصلح أولاً للصناعات الغذائية والصابون وصناعات أخري عديدة.
** ولا ننسي زيت الفول السوداني وإن كنا لم نعرفه كزيت للطعام إلا أنه مع زبدة الفول السوداني- والكريمات - مع الفول نفسه، هو الذي صنع ثروة وإمبراطورية الرئيس الأمريكي كارتر ـ البطل الثالث لاتفاقية كامب ديفيد - وفي مصر حاول البعض ترويج زيت بذور الشلجم، أي اللفت، كزيت للطعام عندنا.. ولكن الذوق المصري.. والصحي حال دون ذلك.
ومن معظم هذه الزيوت تم إنتاج السمن الصناعي والمارجرين، أو السمن الهولندي الذي شاع حينها في مصر، وكانت الطوابير تمتد مسافات طويلة أمام المجمعات الاستهلاكية رغبة في علبة سمن. هولندي!!
ثم زيت جوز الهند ويصلح أكثر في الصناعات الغذائية.. وزيت وزبدة الكاكاو، ولكن هذه الزيوت تتجمد في حرارة الغرفة.
** ولكن مأساة المصريين مع قزازة الزيت، بدأت منذ ابتعدنا عن زراعة القطن، الذي كان يوفر الكمية الأكبر من زيت الطعام.. والقطن ليس فقط زهرة بيضاء وما يتبعها من صناعات حلج وغزل ونسيج وتجهيز للأنسجة القطنية الأكثر طلباً في العالم كله. ولكنه أيضاً، حتي غير هذا الزيت، في مخلفات العصر وهي الكسب وكان أفضل غذاء للحيوانات بسبب غناه بالبروتين. وكذلك صناعات السمن الصناعي والسمن النباتي والصابون والمشمعات والأسطوانات وصناعة السجاد والمناشف والضمادات وقماش مقاعد السيارات.. ونجح العلماء في إنتاج ملابس قطنية مقاومة للحريق والانكماش..
** أي أننا قتلنا سلسلة طويلة - وغنية - من الصناعات المتنوعة بل وإنتاج المتفجرات.. وحتي حطب أي سيقان شجيرات القطن كانت ثروة هائلة.
كل هذه الأفكار فجرتها عندي، حكاية قزازة الزيت الذي يلعب بها الساسة.. ورجال المافيا.. فهل من حلول؟!