الأخبار
محمد السيد عيد
أحمد ناجي كيف تصنع بطلاً ؟ هؤلاء الذين سجنوا قد دخلوا عالم الشهرة من أوسع أبوابه
حين تقف السلطة في وجه أي كاتب أو مفكر، مستخدمة قوتها، يتحول هذا الشخص فوراً من شخص عادي إلي بطل. حدث هذا قديما في بلاد اليونان، حين قررت السلطة أن تعدم الفيلسوف سقراط، عقاباً له علي آرائه، ورغم مرور أكثر من خمسة وعشرين قرناً علي إعدامه، فقد بقي اسمه في عيون الناس مرتبطاً بالبطولة، وبقيت السلطة التي أعدمته مدينة ومعادية للفكر.

وفي العصر العباسي قرر الخليفة المأمون، ووزيره ابن أبي دؤاد، أن يجبرا أحمد بن حنبل علي القول بأن القرآن مخلوق، ولم يقل ابن حنبل برأيهما رغم التعذيب والسجن، وبقيت قصته وصمة عار في جبين الخليفة المأمون، ووزيره، لأنهما أمرا بسجن من يخالفهما في الرأي.

وفي الأندلس غضب الخليفة علي ابن رشد فأحرق كتبه، ونفاه إلي بلد تسمي أُليسانة، أغلب أهلها من اليهود، وبلغ من التعنت مع الرجل حداً لايصدقه عاقل، فقد منعه المسلمون من أهل أليسانة من دخول المسجد للصلاة. ورغم أن الخليفة انتبه لخطئه بعد ذلك، وحاول إصلاحه، إلا أن التاريخ لم يغفر له مافعله، وظل ابن رشد في عيون الناس بطلاً، وظل الخليفة في عيون الناس عدواً للفكر.

وتكرر الأمر بعد ذلك كثيراً، فقد أصدر ابن تيمية ذات يوم فتوي من أهم الفتاوي التي تتعلق بشئون الأسرة، وبالتحديد بشأن الطلاق. وكان هدفه أن يحافظ علي الأسر المسلمة من التفكك، لكن السلطان المملوكي أرسل يخيره : إما أن تتراجع عن فتواك أو تسجن. ولم يتردد الفقيه في الاختيار، وقال : أتوكل علي الله وأسجن. وسجن. وبقيت الفتوي معمولاً بها حتي اليوم، وبقي الناس يذكرون الفقيه صاحب الفتوي بالخير، ويستنكرون مافعله السلطان.

وفي العصر الحديث، عصر النهضة الفكرية المصرية، كثرت الاجتهادات، وكثرت التحقيقات والمحاكمات، ولا شك أن بعض المحققين كانوا مستنيرين، وبعضهم كانوا متزمتين، يرون أن الخروج عن المألوف أمر يجب ألا يمر دون عقاب. ويبقي المحقق الذي حقق مع طه حسين - علي سبيل المثال - نموذجاً للمحقق الذي يقدر قيمة البحث والاجتهاد والمنهج الشكي، علي العكس ممن حققوا مع الشيخ علي عبد الرازق، حين أصدر كتابه « الإسلام وأصول الحكم «، فقد كانوا يريدون إرضاء الملك فؤاد الطامع في الخلافة، فقاموا بالتنكيل بالشيخ المجتهد إرضاءً لمليكهم، ففصلوا الشيخ من عمله القضائي، وسحبوا منه شهادته الأزهرية، وسلبوه أهليته التي تؤهله لشغل الوظائف. ورغم أن الأزهر الشريف أعاد للشيخ اعتباره بعد ذلك، إلا أن محاكمة الفكر تظل نقطة سوداء في جبين الملك فؤاد الذي أوحي بهذه المحاكمة ومحققيه.

وفي أيامنا الحالية تم تحويل عدد من الكتاب وأصحاب الآراء للقضاء، آخرهم : إسلام بحيري، وأحمد ناجي. وحكم القضاء بحبسهما، وأنا هنا لا أتحدث عن أحكام القضاء، ولا أقيم هذه الأحكام، لكني أرصد نتائج هذه الأحكام في عيون الناس. إن هؤلاء الذين سجنوا قد دخلوا عالم الشهرة من أوسع أبوابه، ومواقعهم الإلكترونية صارت أكثر مشاهدة، وتحولوا إلي أبطال في عيون الكثيرين، وأظن أن التاريخ سيذكرهم باعتبارهم دفعوا ثمن عدم إيمان المجتمع بحرية التعبير.

إن كثيرين يختلفون مع إسلام بحيري وأحمد ناجي، ويرون أن كتاباتهما وآراءهما تحتاج لمناقشتها، لكنهم يقفون معهما احتراماً لحقهما في التعبير، ويؤمنون بأن الفكر لايواجه إلا بالفكر، والكتابة القصصية لاتواجه إلا بأقلام النقاد، أما دخول القضاء طرفاً فهو أمر يستحق المراجعة. خاصة أن القانونيين والكتاب الذين شاركوا في وضع الدستور، يؤكدون أن دستور الثورة يكفل حرية الفكر والتعبير. والخلاصة : إن هذه الأحكام لم تضر المحكوم عليهم، بل جعلت منهم أبطالاً، ومنحتهم قدراً هائلاً من الشهرة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف