فى عقب انتهاء اعتلائه منصب الأمين العام للأمم المتحدة عاد د.بطرس غالى إلى مصر لكى يلتقى بمحبيه وتلاميذه وأصدقائه وأيضا بالمسئولين..
ووسط الحفاوة المصرية التى قوبل بها بعد عودته، وهى حفاوة ارتبطت بموقفه الشجاع فى مواجهة الجبروت الأمريكى الداعم لإسرائيل على طول الخط، حيث أصر على طبع ونشر تقرير «قانا» والمجزرة الصهيونية فيها، ولم يكتف بذلك بل أدانها لتعارضها مع القيم الإنسانية، حيث إن الشعب المصرى لا ينسى للرجال والسيدات مواقفهم الشجاعة والتى تجسد الوطنية الحقيقية، ووسط هذا كله، فوجئت بتليفون صباحى من صديقى الدكتور أسامة الغزالى حرب (مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ورئيس تحرير مجلة السياسة الدولية سابقا) وكلاهما أنشأهما د،بطرس غالى الأستاذ بالتعاون والتفكير مع الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل كما شرحت فى المقال السابق.
وبعد أن هنأته بعودة د.غالى باعتباره صديقه وتلميذه، ولم يجد من يأتمنه على مجلة السياسة الدولية سواه كرئيس للتحرير، دعانى لمقابلته بصفة عاجلة، والتقينا فى اليوم التالى مباشرة فى مكتبه، وأبلغنى أنه بالحوار مع د.بطرس، طلب بعد نقاش، أن يلتقى بطلاب جامعيين، وأنه اقترح عليه أن يكون اللقاء مع طلاب من خارج القاهرة الكبري، فأشرت عليه بتنظيم ذلك فى جامعتنا (قناة السويس) فرع بورسعيد (آنذاك)، فوجدت السعادة على وجهه، فقلت له: لماذا هذه الابتسامة الجميلة التى اراها على وجهك كالعادة؟ فأبلغنى بما دار بيننا وبين د.بطرس، بأنه أبلغه هذا الكلام، ووافق عليه. حيث قال د.أسامة للدكتور بطرس، هناك د.جمال زهران (رئيس قسم العلوم السياسية)، بكلية التجارة ببورسعيد، فقال له: هذا واحد من أفضل ابناء جيله وهو مثقف وأحد طلابى الذين أعتز به، ولذلك لابد من أن أبدأ به فى بورسعيد، ونقل لى ذلك، فقلت له ساتصل برئيس الجامعة فورا وأبلغك بالموافقة، وتحديد الموعد. فاتصلت فورا بالأستاذ الدكتور/ سعيد الشامى (طيب الله ثراه)، رئيس الجامعة آنذاك، فقال لي: هذا شرف للجامعة، وكلفنى فورا بإعداد هذه الزيارة واللقاء وتنظيمه وإدارة الجلسة مع الطلاب، وحملنى المسئولية كاملة، إلا أنه كلفنى أيضا باعداد عزومة غداء بورسعيدية، وكان سعيدا للغاية، فاتصلت بالدكتور/ أسامة الغزالي، لأخبره بموافقة وترحيب رئيس الجامعة، وتكليفه لى بتنظيم اللقاء، فما كان منه إلا أن قال أن د.بطرس غالى يحملك المسئولية، ولا خيار عن نجاح اللقاء، فهو بداية لحواراته مع طلاب وشباب مصر، وأوصيك يا د.جمال بوجبة السمك اللذيذة، فقلت له: إن لم توافق الجامعة على العزومة، فسأتكلفها من جيبى الشخصى تقديرا لأستاذى ولكن الجامعة وافقت على الاستضافة.
فبدأت الترتيبات مع عميد الكلية آنذاك، والوكلاء ونائب رئيس الجامعة لفرع بورسعيد (أ.د.أحمد عامر) وبدأت فى الاعداد والتنظيم واخطار الإعلام.. الخ وفى الموعد المحدد، والساعة المحددة، حضر الأستاذ الدكتور بطرس غالى برفقته أ.د.أسامة الغزالى حرب، وسط حفاوة شديدة من أعضاء هيئة التدريس، والطلاب حتى العاملين من إداريين وعمال الخدمات كانوا يتسابقون جميعا لمصافحة أستاذنا د.بطرس غالي، وكان فى استقباله قيادات الجامعة وفى مقدمتهم أ.د.سعيد الشامى (رئيس الجامعة).
ثم بدأ اللقاء الحاشد من الطلاب فى المدرج الكبير الذى أمتلأ عن آخره، وبدأت بإدارة اللقاء بان قدمت د.بطرس غالى بصفته أستاذى أولا، وانحنيت له أمام جميع الطلاب وسط عاصفة من التصفيق قام على أثرها د.بطرس ليحيى الطلاب، وينحنى شكرا لهم، حيث قلت: »قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا«. ثم تحدث د.بطرس غالى عندما جاء دوره بعد ترحيب رئيس الجامعة، ليؤكد أنه اختار اللقاء هنا فى بورسعيد تقديرا لقسم العلوم السياسية ابن كلية الاقتصاد والقسم الأم، وتقديرا لجامعة بورسعيد، وتقديرا لشعب بورسعيد العظيم، وتحدث عن تجربته فى الأمم المتحدة لمدة (5) سنوات، وعن مناصرته لقيم السلام والديمقراطية باعتبارهما المخرج من الصراعات الحالية والداعمة لفكرة التقدم، وأجاب عن أكثر من (100) سؤال واستمر اللقاء ثلاث ساعات. وبعد أن انتهى اللقاء فوجئنا بما وصل إلى مسامعنا أن جماهير بورسعيد تتظاهر ضد د.يوسف بطرس غالى (وزير الاقتصاد آنذاك) ظنا منهم أنه فى الجامعة فى بورفؤاد، فما كان من الأمن أن سارع بتأمين خروج د.بطرس غالى من معدية الرسوة على طريق القاهرة مباشرة، لتضيع وسط هذا الالتباس وجبة الغذاء، وحرم منها د.بطرس ود.أسامة الغزالى ورفاقهما.
هذه صفحة من العلاقة مع أستاذنا د.بطرس غالي، رحمة الله عليه.