أتأمل الأحداث التي تدور من حولي هذه الأيام، وتأثيرها علي الناس من لحظات صمت، وفكر واشتباك وتوتر، وقلق وتطبيع وضرب «بالجزم» تحت القبة الموقرة، والتهديدات الموجودة علي الملأ ليل نهار بين إعلاميين بعضهم البعض بالمستندات، أتأملها جيداَ ولا أجد لها تفسيراً ولا تبريراً إلا بقصة قصيرة تلخص ما يجري من وجه نظر تحتمل صوابا واحدا وتحتمل ألف خطأ،ولكنها في النهاية تعبر عن المشهد كما أراه وإلي نص القصة.
دائماً يتفقد أحوال الناس، انطباعاتهم، الآراء السائدة بينهم، كيف يعيشون؟ ماذا يقولون؟ والأهم كيف يسيطر عليهم؟ كيف يستحوذ علي مشاعرهم ويمتلك عقولهم؟ كيف يجعلهم يسيرون في الطريق الذي اختاره ورسمه للجميع دون أن يحيد أحد عنه، ودون أن يظهر بشكله أو هيئته في المشهد من قريب أو بعيد؟
استيقظ ذات صباح واجتمع بالرجال المختارين لهذه المهمة، اصطف الجميع أمامه في سكون وريبة، والهيبة تملأ القلوب، الجميع يفكر، ويحاول أن يتدبر أمره حتي لا يخطئ في جواب، أو يشعر سيدهم بأنهم لم ينجزوا المهمة بنجاح.
بعد لحظات صمت اتكأ علي كرسيه وقال: ما أخبار الناس؟ أجاب الجميع في صوت رجل واحد: يمجدونك، ويشكرون فضلك عليهم، وحكمتك التي ترعاهم، لم يرتح لهذا الكلام وشعر أن تكراره أفقده طعمه ونشوة حلاوته، وبحركات من أصابعه تدل علي استيائه قال: لا أسأل عن ذلك أسأل عن الهدف المرسوم والطريق المصنوع ليسير الناس عليه.. هل يسيرون فيه وعليه كما ينبغي أن يكون السير؟ ويفكرون كيفما ينبغي أن يكون التفكير؟ أجبني أنت يا بني؟
في لحظات الصدق مع أبيه المغلفة بالمسئولية التي تم تكليفه بها، قال: تعلم يا سيدي أن الجميع يعرف أني المقرب إليك، وأي حديث يخرج عني يثقون فيه ويصدقونه، وبعد مرور الأيام، بدأت أشعر أن الناس فقدوا هذه المصداقية، وشعروا أن حديثي معهم ما هو إلا ما أردت أنت أن تقول، فبدأ نجمي وسطوتي في التلاشي، ولكن مازال هناك الكثيرون والكثيرون الذين ينتظرون كلامي ويصدقونه، لأنهم في النهاية يعرفون أني أقرب الناس إليك، فكلماتي لهم أشبه بالمرسوم المختوم منك.
هز رأسه في لحظات اقتناع وسكون وصدق حديث ولده، وكان ما يشغله في تلك اللحظات البحث عن بديل آخر، وتوجهت إشارته للآخرين واحداً تلو الآخر يحدثهم ويحدثونه، يستمع إليهم وينصتون له، وفجأة شعر أن الخط المرسوم سوف يأتي عليه لحظات ويتهاوي، وسيكون الطريق مهدد بالتلاشي، فقال وما الحل.. أجيبوني؟
فقال أحدهم: يا سيدي الناس لا تحتاج إلي مثل ما نفعل الآن، لن يظل الجميع في حاله استماع فقط، ومن طبيعة البشر الاختلاف، فلابد أن نقدم لهم ما يشغلهم وأن يكون الناس دائماً في حالة من الشتات الفكري والتناحر الأخلاقي فيما بينهم، ونجعل الناس يدافعون ويهاجمون ويشتبكون بالقول والفكر.
قال وكيف نفعل ذلك؟ قال نستأجر عاهرة ونملي عليها ماذا تفعل وماذا تقول، ونطلقها في الأسواق بينهم، وفي كل تجمع تنشد بما يكرهون، وتفجر كلاماً يحبه البعض ويكرهه البعض الآخر، ثم يحدث الخلاف بين الجميع، وفي الوقت المناسب نمنع الاشتباك بين الناس، ونقبض علي العاهرة بدعوي إفشاء الرذيلة بين الناس، ونستقدم لها رجلا معروفا بقوته وكلمته وحكمته، يدافع عنها أمام الجميع، فينتقل الصراع من الناس والعاهرة، إلي الناس والرجل الحكيم، وعندما تبدأ الأمور في الهدوء والنسيان، وعندما نشعر بأنهم يسيرون علي الطريق غير المرسوم و يتجاوزون الخطوط المكتوبة، نستأجر عاهرة أخري بثوب جديد وفتنة جديدة، حتي يعود الجميع إلي الهدف المنشود، وهكذا يا سيدي كلما عادوا عدنا.
استمع السيد جيداً وكست السعادة وجهه الأبيض، وصفق الجميع، وقال له افعل ما قلت، وبعدما خرج الجميع في فرح شديد، قال السيد لولده بعدما ينتهي هذا الرجل وينفذ ما قال، اقبض عليه بنفس تهمة العاهرة وكن جاهزاً برجل آخر يأتي لنا بعاهرة جديدة.