محمد جبريل
ع البحري .. لكي يصبح العالم جميلاً!
كان الأديب الكبير محمود تيمور ينتمي إلي أسرة ثرية. ذات صلة بالقصر الملكي. بلغ عميدها أحمد تيمور باشا - والد محمود- مكانة علمية رفيعة من خلال دراساته المتعمقة في المجتمع المصري. فضلا عن الشهرة التي يتغني بها الباعة في ندائهم: تيمور يا مانجة. وهي المانجو التي عرفت بها حدائق آل تيمور!
أتذكر حرص محمود تيمور علي أن يعرفه الأصدقاء كمواطن مصري. تتجاوز إسهاماته الإبداع السردي. والأنشطة الثقافية بعامة. إلي المجالات الاقتصادية. قد يستقبل أصدقاءه من الأدباء في جلسته المفضلة بجروبي عدلي. ويبادلهم الرسائل. ويهديهم كتبه. بل والكتب الأجنبية التي ربما يعجزون عن اقتنائها. وكان للأديب الراحل أمين يوسف غراب موعد شهري. يزوره فيه محمود تيمور ليهديه مجموعة من الكتب. لكن تيمور كان يحرص كذلك علي أن يتردد علي مكتبه في مواعيد محددة. ربما لينفي فكرة أنه يعيش من جهد الآخرين. يحزنني - والقول له - أن البعض يتصورني بلا عمل. وهذا غير صحيح. يأخذ الأدب بعض وقتي. لكن معظم وقت عملي في مجالات متعددة.
في المقابل من تيمور. فإن الشخصية المناقضة تجلس في المقاهي. منذ انطلاق باعة الصحف بجرائد الصباح. حتي الليل المتأخر. قصر وقته علي اللاعمل والدردشة وتخيل المواقف والغيبة والنميمة. يتوه الفهم عن الوقت الذي ينبغي أن يخصصه للقراءة والكتابة. وتلقي الإبداعات السينمائية والمسرحية والتشكيلية. وحضور الندوات والمؤتمرات.. ذلك كله لا يشغله. فالفن - في تقديره - حرية. ترفض المشغوليات والمسئوليات!
قد تواتيك الجرأة فتسأله: ماذا تعمل؟
يرد بأجوبة متناقضة. منها الإجابة التي خصني بها. وهي أنه ورث عن السيد الوالد عشرين فدانا. يشكل عائدها مورد إنفاقه؟
كان الطب مهنة الكاتب الروسي تشيخوف. وكان الأدب هوايته. لكنه أخلص في العناية بحديقته الصغيرة. كأنه يحترف الزراعة. وكان رأيه أنه لو أن كل إنسان في العالم فعل ما بوسعه في الرقعة التي تخصه. فسيكون العالم جميلا. يقول: "إن ما يحتاجه الإنسان هو العمل المستمر ليل نهار. والقراءة الدءوبة. والدراسة. والسيطرة علي الإرادة. فكل ساعة من الحياة ثمينة".
ويذهب إيتالو كالفينو إلي أننا كلما تقدمنا في قراءة تشيخوف. التقينا بشخصيات تقرر - في نهاية الأمر - أن تعمل بجدية. أو تتكلم عن تلك الحياة الرائعة التي ستقوم علي الأرض بعد مائة عام. أو بعد مائتين. أو عن تلك الزوبعة التي سوف تجتاح كل شيء".
يغيظني القول بقتل الوقت. حتي المتقدم في السن أو المريض أو المقعد يستطيع أن يسهم في قيمة العمل بأن يروي الحكايات للصغار!