المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. نحن لا نسير عرايا
يبدو أننا في بعض الأحيان نكون في حاجة إلي مناقشة المسلمات.. وتأكيد ما هو مؤكد.. وتعريف ما هو معرف ومعروف.. أو كما قالوا: "نطبل في المطبل".. خصوصا إذا كنا نتعرض لقضية شائكة في مجتمع شائك.. أقصد قضية الحرية بين السياسة والدين والإبداع.
من المسلمات المؤكدة أن الحرية ليست مطلقة في أي مجتمع من المجتمعات.. ذلك لأن الحرية المطلقة تعني الفوضي مباشرة.. وتعني اعتداء الناس علي حريات بعضهم البعض.. لذلك يوضع الدستور والقانون لينظما الحرية.. ويوفرا الحماية لكل أفراد المجتمع حتي يمارسوا حرياتهم في أمان.. فحدود حريتك تنتهي عندما تبدأ حدود حريتي.
ولذلك فإن الحرية في أي مجتمع مهما كان حرا وديمقراطيا وليبراليا لها حدود ولها سقف ولها مساحة.. والذي يحدد هذه الحدود والسقف والمساحة هو طبيعة المجتمع وهويته ومبادؤه ومنظومته الأخلاقية ونظامه السياسي والاجتماعي والاقتصادي.. وكلما كانت الحدود ممتدة والسقف مرتفعاً والمساحة واسعة كان المجتمع أكثر استمتاعا بالحرية وأكثر قدرة علي التقدم والإبداع والابتكار والتحاور والتعايش الجيد.. ومن أجل ذلك فإن الشعوب علي مدي تاريخها الطويل تناضل. وستظل تناضل من أجل توسيع مساحة الحرية ورفع سقفها إلي أعلي وأعلي.
هذه حقيقة مسلم بها وثابتة.. لكن السؤال ربما يكون علي النحو التالي: إذا كنا نناضل من أجل مزيد من الحرية ففي أي اتجاه ولأي هدف؟!
لا يمكن أن نحارب ونناضل لنكسب مزيدا من الحرية نسير عرايا في الشوارع.. فهذا اتجاه لا تصلح فيه الحرية.. وإذا حدث فسوف تكون حرية هدامة.. لأن الخالق العظيم جل شأنه أراد لنا أن نتمايز عن الحيوان بأن نستر عوراتنا في الشارع.. تلك العورات التي جعل انكشافها أمرا مقززا.. لذلك اخترعنا أفخم الثياب.. ووضعت المجتمعات الحرة من القوانين ما يمنع الناس من التحرش بعضهم ببعض عن طريق كشف عوراتهم في الشوارع.. والمجنون وحده هو الذي يسير في الشارع عريانا.
وبنفس الدرجة التي نتحمس بها لزيادة مساحة الحرية فيما يخص الممارسة السياسية.. وفتح النوافذ والأبواب بما يكفل حرية التعبير والنقد والمعارضة في القضايا السياسية والأدبية والفنية والاقتصادية والدينية فإننا نرفض إطلاق الحرية لمن يريد أن يسير عريانا في الشارع فيخدش حياء الناس ويعتدي علي حريتهم ويحولها إلي فوضي.. ويأخذ المجتمع إلي بدائيته الأولي.
نحن نرفض أن نسير عرايا في الطريق العام.. وبنفس المنطق نرفض محاولات البعض لاتخاذ حرية التعبير مبررا لكي ينقلوا علي الورق. أو بالكاميرا. ما يحدث في غرف النوم المغلقة.. وبتفصيلات مخجلة.. وإسهاب ليس فيه شيء من الخيال ويسمونه أدبا.
لماذا نغلق علينا غرف النوم؟!.. لماذا تحرص علي أن تكون خصوصيات الحياة الزوجية بعيدا عن العيون؟!.. لماذا نستور عوراتنا في الشوارع؟!
هذه هي الفطرة الإنسانية السليمة والسوية.. فإذا ما جاء من ينتهك هذا الستر.. ويريد أن ينقل ما يحدث في غرفة النوم.. ويفتح أبوابها للناس جميعا فلابد أن نقول له: قف.. إنك تضر بمفهوم الحرية.. وتعمل علي تسطيحه.
سيقول أنتم ضد الحرية.. وسنقول بل نحن دعاة الحرية والديمقراطية.. الحرية التي تبني ولا تهدم.. الحرية التي لا تصطدم بثوابت المجتمع وأخلاقه ولا تتحرش بالأديان والآداب العامة.. فأي حرية وأي شجاعة في أن تعرض ما يحدث بغرفة النوم؟!
الشجاعة في النضال من أجل حرية الفكر والخيال والنقد والمعارضة والرأي الآخر واحترام حقوق الإنسان.. أي إنسان.. أما توجيه الحرية إلي مناطق التحرش الديني والأخلاقي فقد بات لعبة مكشوفة لمن يطلب الشهرة السريعة دون تعب.. والجوقة جاهزة دائما لدق طبول الحرية وتزييف الوعي دفاعا عن الباطل.
الحرية للأحرار الذين يناضلون ضد التعسف والاستبداد والقهرة والظلم.. وليست لمن يناضلون في أدب غرف النوم.. أو لمن يريدون أن يسيروا عرايا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف