د. محمد مختار جمعة
خطورة الصمت علي المتطفلين
لاشك أننا في عصر التخصص الدقيق في جميع المجالات العلمية. والفكرية. والثقافية. ولم يعد هذا الزمن محتملاً لاقتحام المتطفلين من غير المتخصصين لعالم غير عالمهم ومهن غير مهنتهم. حيث أصبحت بعض المهن مهنة من لا مهنة له. ومجال من لا مجال له.
وإذا أردنا أن نضع الأمور في نصابها. فلابد من إعلان دولة القانون وقيمة القانون. وأن تقوم كل جهة بواجبها تجاه الدخلاء وغير المتخصصين الذين يقحمون بدون حق أنفسهم علي أعمالها.
ولابد أن تعيد جميع المؤسسات والجهات والهيئات النظر في عقوبات المخالفين. وبخاصة الدخلاء الذين يعملون خارج إطار القانون بدون رخصة أو بمخالفة لقواعد الرخصة وضوابطها. وأن يكون هناك تقنين لممارسة جميع الأعمال والمهن. بحيث لا يسمح بمزاولة أي مهنة إلا لمن يحمل تصريحاً للعمل بها.
لقد عاني المجتمع معاناة شديدة ممن ينتحلون صفة غير صفتهم. كما أن أصحاب المهن الأصلية يتأثرون سلباً باقتحام آخرين عالمهم دون ترخيص أو أحقية لهم في العمل. فشتان بين مصنع يعمل في إطار القانون يؤدي حق الدولة من ضرائب وتراخيص. وحق العمال من أجور وتأمينات. ويخضع لمراقبة الجهات الرقابية المختصة. وبينما آخر يعمل بلا رخصة وبلا أي التزامات أوضمانات تجاه المستخدمين لما ينتجه. والذي لا شك فيه أيضا أن هذه المصانع التي تعمل خارج القانون قد تكون سبباً في تعثر أو توقف من يلتزم بالعمل في إطار القانون. من حيث الأعباء والالتزامات المترتبة علي الأول والتي يتحلل منها الثاني. مما يتطلب عملاً سريعاً يقنن أوضاع من يستحق التقنين. واتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة تجاه المخالفين والمتجاوزين.
أما فيما يتصل بالخطاب الفكري والثقافي وبخاصة الديني فإنه قد عاني لعقود طويلة من اختطافه من بعض الجماعات التي حاولت توظيفه لأغراض سياسية أو سلطوية. وعملت علي استقطاب الشباب والناشئة من خلال العاطفة الدينية القوية لديهم حتي انحرفوا بهم. بل انجرفوا ببعضهم في أتون التشدد والتطرف والإرهاب. ومن هنا كان حرصنا إصدار قانون ينظم ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها. بقصر ذلك علي المؤهلين المتخصصين من خريجي الأزهر الشريف المصرح لهم بأداء الخطب والدروس. مع تأكيدنا أن بروز كلا النقيضين: التشدد والتطرف والغلو من جهة. والدعوات التي تتجه في اتجاه التسيب والإنحلال والتطاول علي الثوابت من المقدسات من جهة أخري. وإنما يرجع أول ما يرجع إلي خطاب غير المؤهلين وغير المتخصصين الذين يقحمون أنفسهم فيما لا قبل لهم به. وفي مجال ليسوا له بأهل. ويظنونه كلأ مباحاً. و ما هو كذلك. فأجرأ الناس علي الفتوي أجرؤهم علي الناس. يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتي إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" "رواه البخاري" علي أن الصمت علي هؤلاء الدخلاء أو غير المؤهلين أو غير المتخصصين المقتحمين غير مجالهم أو اختصاصهم. إنما يكاد يضر بهم. وبالمتخصصين. وبالمجتمع. مما يتطلب منا جميعاً احترام التخصص. واحترام القانون وتطبيقه علي الجميع وبلا أي استثناءات أو امتيازات لأي شخص أو فئة أو حزب أو طائفة. إعلاء شأن العلم والتخصص من جهة. واحتراماً للقانون والتزاماً به من جهة أخري.