الوفد
مصطفى شفيق
من قلبي .. ما لم يطلبه الرئيس من كوريا واليابان
ما حققته الدولتان ليس معجزة اقتصادية.. لكنها معجزة إنسانية
زيارات الرئيس «السيسى» الخارجية لها أهداف... الطبيعى أن يكون الجزء الأكبر منها معلناً... تتناوله وسائل الإعلام المحلية والعالمية بالتفصيل... والقليل منها ما لا يعلن عنه ويناقش فى القاعات المغلقة... وبين عدد قليل من المسئولين... وربما تصل خصوصيته إلى المحادثات الثنائية المغلقة... وفى الزيارة أيضاً جزء بروتوكولى... هو ما نشاهده فى الغالب على صفحات الإصدارات الورقية... أو شاشات الإعلام الالكترونى... أو التليفزيون... ومع التسليم بالأهمية الكبرى لكل الأهداف التى من أجلها قطع «السيسى» ورفاقه آلاف الأميال... إلا أن ملاحظة الجانب البروتوكولى فى الزيارة أخذ اهتمامى... وربما اهتمامك أنت أيضاً... ذلك الأدب الجم الذى يتعامل به اليابانيون والكوريون مع الضيف... وهو نفسه الأدب الذى يتعاملون به مع بعضهم البعض... وقد ترى ما أراه أننا نحتاج مثل هذا الأدب فى التعامل... وأننا كما نحتاج استثمارات فى التصنيع... والموانئ... والكهرباء والمواصلات... نحتاج أيضا أن نتعلم منهم هذا الأدب الجم... لأن بناء الإنسان لا يقل أهمية عن بناء المصانع والعمارات... بناء الإنسان أهم... لأنه– الإنسان- يبنى المصنع... وينتج فيه أو يخربه... ينشئ الميناء... ويقوم على تشغيله أو يغرق من فيه... وما فيه... يستقبل السائح ويكرمه فيحوله إلى نافذة دعاية... أو يستغله... وينصب عليه فيغادر ناقماً... مقاطعاً... كارهاً... آسفاً.. ناصحاً أهله وأصدقاءه ألا يزوروا هذا البلد وألا يقربوه... ولا ينتوى هو زيارته.
والحقيقة أن الأدب فى اليابان– بمعنى التهذيب– سمة أساسية من سمات الشعب... حتى فى الاختلاف يطغى الأدب والاحترام على اسلوب التعامل... والأدب فى اليابان جزء من العملية التعليمية... فالمدرسة تعلم الطفل منذ نعومة أظفاره أن يحترم المعلم... ويوقره... والمعلم خصوصاً له مكانة خاصة فى اليابان... والتلميذ يحترم زملاءه... خصوصياتهم... ويتعاون معهم... ويتبادل معهم الهدايا... ويحترم مبنى المدرسة فينظفه يومياً... قديماً كان القائد الحربى اسمه المعلم... والمدرب اسمه المعلم... وكان حتى المحارب ينحنى لخصمه احتراماً وإجلالاً قبل أن يبدأ بينهما النزال وفى اليابان أيضاً لا ينطق أحدهم اسم آخر دون أن يذكر بعده مقطع «صن»... وهو مقطع يعنى المبجل أو المحترم... هذا الأدب هو الذى لم يطلبه الرئيس «السيسى» من المسئولين اليابانيين رغم أنه صانع تقدم اليابان– وكوريا أيضاً– لأن هذا الأدب والاحترام هو الذى صنع تقدم اليابان وكوريا... خذ عندك مثلاً اليابان... المواطن يخجل أن تمر دقيقة دون أن ينتج... ينكسف على دمه إن هو غاب عن عمله دون عذر قاهر... رصيد الإجازات لدينا مشكلة دائمة لا تنتهى حتى بالخروج إلى المعاش... وفى اليابان يمثل فائض الإجازات مشكلة للحكومة... ويضطر رؤساء المصالح بين فترة وأخرى لمطالبة العاملين بزيادة الحصول على إجازات سنوية.
فى مصر نقول إننا شعب مؤدب .. والأدب فضلوه عن العلم... والوزارة اسمها التربية والتعليم... كلها أقوال جميلة لكنها ليست هى الأدب... أجيالنا الجديدة تحتاج إلى تعلم القيم... نظرة على رواياتنا الجديدة تؤكد ذلك... الأفلام الهابطة التى تقدمها السينما المصرية العريقة تؤكد أننا فقدنا جزءاً كبيراً من قيمنا وأدبنا... إحراق الجامعات قلة أدب... الهروب من العمل تخل عن قيمنا وخيانة لأنفسنا... المدرس الرافض والمتقاعس عن الشرح فى المدرسة تخل عن الأدب الذى تعلمه.
تجربة اليابان وكوريا ليست اقتصادية فقط... هى تجربة إنسانية أخلاقية... فما خسرته اليابان فى الحروب لا يقل عما خسرناه... وفى الستينيات زارنا مسئولون كوريون لنقل التجربة المصرية... وما حدث فى كلتا الدولتين لا يرجع للعلم فقط... ولا للنشاط الاقتصادى فقط... ما حققته الدولتان يرجع إلى الإنسان... إلى أخلاقه... وأدبه... وحبه لبلده الذى دفعه إلى حب العمل... واحترام الزائر... شواطئ اليابان تكاد تساوى شواطئ مصر... والأسطول اليابانى يصطاد حوالى 15% مما تصطاده أساطيل العالم من الأسماك... 70 % من أراضى اليابان جبلية... وبها 108 براكين نشطة وليست لديها أزمة مرور... ولا أزمة منتجات زراعية.
ما حققه الإنسان فى اليابان وكوريا هو ما نحتاج إليه فى مصر أكثر من احتياجنا للمصانع والاستثمارات... فرأس المال يهرب من الشعوب غير المنتجة... لن يأتى المستثمر لبلد يسعى شبابه إلى الوظيفة المكتبية... وإن لم تأت جلس على المقهى ينتظر وظيفة أخرى.
وحتى يأتينا اليابانيون... والكوريون... وغيرهم بأموالهم سيدرسون إنتاجية المواطن المصرى فإن علموا أنها من أقل المعدلات العالمية فيسكتفون بالانحناءة المؤدبة والشهيرة... وبعض المنح والهدايا.
ما لم يطلبه «السيسى» من الحكومات هو ما تملكه الشعوب... وما تشتهر به الأمم... ولا يكفى هذه الشعوب أن نحدثهم عن التاريخ لأنهم يعرفونه أكثر منا... نحتاج إلى تغيير كبير فى أسلوب الحياة... وإلى قناعات جديدة فى نظرتنا إلى العمل... والوظيفة الميرى... إلى العودة لأدبيات التعامل المصرى... فبهذه الأشياء ندعم مطالب «السيسى»... ونقنع العالم بجدوى الاستثمار فى بلادنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف