نصف الدنيا
جيهان الغرباوى
سيادتك حاتموت مقتول!
كانت نصف نائمة، لكنها وعت لطرقات وجرس طويل على الباب، أفاقت وتحركت نحو باب الشقة وهى تقاوم صداعا في رأسها وفوق عينيها .. فتحت الباب فوجدت رجلا طويلا في يديه دفتر وقلم، يقول بدون مقدمات

( الكهربا .... ) عرفت أنه محصل الكهرباء .. سألته بصعوبة ( كام ؟؟) أجاب بسرعة وصوت مجلجل (عليكم ٤٠٠ جنيه)

أدركت أخيرا أنها لا تحلم وأن الأمر واقع والرجل أمامها حقيقى يطالبها بمبلغ ٤٠٠ جنيه كاملة دون إبطاء أو هزار أو مفاوضة

أحرجت أن تقول له أن البيت ليس به هذا المبلغ ولم تعرف كيف تتصرف كى ترده على أعقابه بغير سوء.

.. قالت له بجدية وهى تنظر في عينيه: عبد الناصر مات .. تفتكر هالحق الجنازة بتاعته؟؟

تثبت الرجل مكانه ثم أجابها: بيذيعوا دلوقت حفلة قناة السويس، ادخلى شوفيها في التليفزيون وبعدها أكيد هايجيبوا حاجة عن جنازة عبدالناصر..

ثم أكمل بسرعة يقول: اتفضلى انتى عشان تلحقى تلبسى وتنزلى وأن شاء الله تلحقى الجنازة ...(ومد يديه وسحب الباب وأغلقه وانصرف)!!!

هذا الموقف حكته على الملأ طالبة في محاضرة، كنت ألقيها منذ أسابيع في الجامعة، عن الكتابة الصحفية الساخرة من وحى مواقف واقعية في الحياة ..

وكان سؤالى الأول للطلبة يومها: أذكر يوما أسود في حياتك، انقلب لموقف هزلى أو اكتشفت فيه جانبا مضحكا واحكه لنا؟؟

وعلى سبيل التدريب على اكتشاف المفارقات الكوميدية في حياتنا اليومية، والتقاط خيط البداية لفكرة قصة صحفية صادقة ساخرة، راح الطلبة الحضور يتسابقون لرواية مواقف مضحكة حدثت معهم ولم ينسوها، ولم يعرفوا كيف أو لماذا جرت الأمور هكذا أصلا ......

مثل الطالبة البدينة خفيفة الظل قوية الشخصية التى حكت ببساطة عن يوم ذهبت للتأمين الصحى من الصباح الباكر كى تحصل على أوراق وتنهى إجراءات روتينية مهمة تخص علاج أمها، وما إن دخلت أول مكتب في هيئة التأمين الصحى، حتى وجدت الموظفة المختصة تقول لها: احنا لسه ما اصطبحناش ولا قلنا يا صبح .. انزلى هاتيلى فطار فول وطعمية وبيض وبتنجان وبطاطس وربع جبنة وعيش بلدى واطلبى لى شاى من البوفيه هنا وحاسبيهم ..

وبعد ما أفطر أخلص لك الورق بتاعك .

وعلى عكس ما توقعت، انصاعت الفتاة البدينة الجميلة لتوجيهات الموظفة ونفذتها حرفيا دون أى مناقشة ولم تجد أى غضاضة في الصعود والهبوط المتكرر على سلالم الهيئة كى تقضى الطلبات وتنفذ التوجيهات وتكسب الموظفة المسئولة عن أوراقها بأى ثمن!

وحكى طالب مهذب هادئ عن موقف تعرض له أثناء زيارته لبيت أخته وزوجها في إحدى الدول الأفريقية، وفي يوم نسى وخرج يشرب الشاى صباحا في شرفة البيت الواسعة فوجد في وجهه قردا فوق سور أقرب ما يكون منه .. شعر بالفزع فخلع نعليه ورماه بفردة الشبشب، فرد عليه القرد بنفس العنف ورماه بثمرة جافة كبيرة في يده كادت تفتح رأسه، فسدد له صاحبنا فدرة الشبشب الثانية في رأسه، حتى اشتعلت الخناقة وتحمس القرد أن يرد له واحدة بواحدة وكاد أن يهجم عليه لولا أن صاحبنا جرى واختفى من أمامه (وقصر الشر) وقرر ألا يتمادى أو يتجاوز حدوده أكثر من ذلك، حتى تنتهى إقامته، ويعود سليما من بلاد القرود!



فى الصف الأخير كانت هناك طالبة أنيقة رقيقة، ترفع يدها بإصرار وتجاهد كى نسمعها وهى تحكى عن يوم عيد ميلادها الماضى، وحين أصابها الدور وقفت وقالت إنها كانت متفائلة وترتب لدعوة أصدقائها لعيد ميلادها وهى تتوقع سهرة حافلة مليئة بالضحك والأغانى والحلوى والشموع والتورتة، إلا أنها كلما اتصلت بأحد يومها من صديقاتها أو من زملائها أو أقاربها، وجدته في حالة عصبية شديدة أو خارج من مشكلة لتوه وفي مزاج أسود أو أنه مريض أو محبط أو مكتئب، والغريب أن عددا كبيرا ممن ردوا على تليفونها كان يحكى لها قصة مأساوية ثم بعد أن يعرف بأمر عيد ميلادها يقول لها (ده يوم نحس .... بس عموما كل سنة وانتى طيبة)!!

كنا نضحك جميعا بصوت عال ونحن نستمع لقصص بعضنا على التوالى، وكأنها يوميات هزلية بلا نهاية.

وعن نفسى أحببت هذا التدريب الذى بدأت به محاضراتى، أكثر من أى جزء نظرى أو عملى آخر، قدمته في برنامج (اتحاد إعلاميات مصر) لورش العمل الصحفى المتخصص .

لا أنسى أبدا الطالب الصعيدى الأسمر الذكى الذى حكى تجاربه المريرة مع السفر بالقطار، لدرجة أنه بعد حوادث انقلاب وحريق وتعطيل وحصار قطارات الصعيد بالذات، صار يقرأ شعار سكك حديد مصر المكتوب فوق عربات القطار ( س . ح . م ) على أنه الحروف الأولى اختصارا من كلمة (سيادتك حاتموت مقتول)!!!!!

ربنا يسترها معاكم ومعانا...

من يقدم على اكتشاف الحس الكوميدى وتدريس الكتابة الساخرة لطلبة مصريين، يبيع المية في حارة السقايين .. لكنها تجربة شربات وممتعة وتستحق!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف