عزت السعدنى
أصل الجواز يا باشا قسم ويانصيب!
صديقى الذى ألقى له القدر قنبلة موقوتة.. فى صورة عفريتة جميلة الصورة.. بل فائقة الجمال رائعة الحسن.. فلطشت عقله وجعلت من قلبه مقرا لها ومستقرا.. فأخذها قبل أن تضيع من بين يديه إلي المأذون في جامع سيدنا الحسين رضى الله عنه.. وكتب عليها.. ثم حملها حملا إلى شقته الصغيرة فى السبتية.. أحد أحياء القاهرة الفقرانة العدمانة كما كان هو يصفها لى.. قبل أن يفتح الله عليه ويرزقه من حيث لا يدرى.. على وش القمورة السنيورة الغندورة.. من عنده الرزق الوفير.. وهو زواج تدخلت فيه الصدفة أو قل الحظ.. ليقع المحظور ويطب سيدنا في هذا الملعب الحريمى الذى حوّلَ حياته فيما بعد إلي قطار من النكد اليومى يهدد عرباته.. بعدد أيام السنة.
قلت له: وهو فيه واحد عاقل في الدنيا دى يلاقي واحدة في سكته صدفة أو حظ أو لعبة في ألعاب القدر.. يقوم على طول «خبط لزق» زى ما بيقولوا.. ياخدها على المأذون ويتزوجها.. من غير حتى ما يسأل هي مين؟ وأمها مين؟ وأبوها مين؟
وعندها شهادات إيه.. انت كنت فاكرها إيه ملاك من السماء ربنا بعتهالك.. عشان صلاتك وصيامك وسيرتك الطيبة والورع اللي منور وشك والتسابيح اللى عمال تقولها في سرك على السِّبحة اللى اشتريناها سوا من بياع في الحسين بتلاتة جنيه منهم جنيه برانى. دانت يا راجل في شبابك عمرك ما ركعتها..
قلت لصديقى الذى ساق له القدر «أفعوانة» وهى نوع من ثعابين وحيات الغابة.. لكى يتزوجها وتصبح أم عياله: وعملت فيك إيه الست دى؟
قال: ماقولكش.. حاجات كتير خدت فلوسى ومرمطتنى فى المحاكم وفرجت عليّا اللي يسوى واللى ما يسواش.. لحد لما ربنا رضي عنى.. وتخلصت منها عند نفس المأذون اللى كتب كتابنا.. والغريب إن المأذون قاللى يومها جملة مافهمتهاش إلا بعدين!
أسأله: قالك إيه يا بدر الدجى؟.. قال: قاللى وهو بيضحك ضحكة غريبة.. تعيش وتاخد غيرها.. وابقي اكشف نظر الأول قبل ما تندب وتخطب وتتجوز وتتنيل على عينك!
قلت له: تستاهل.. فيه حديث شريف بيقول: «من أعمالكم سُلط عليكم».. يعنى عملك الوحش وسيرتك البطالة.. وقعتك فى شر أعمالك.
قال لى مستسلما وهو يشعل آخر سيجارة فى علبة سجائره: عندك حق.. حظى رمانى المرة دى في «دحديرة» يعنى في حفرة مالهاش قرار.. لكن ربا أكرمنى بعد كده بزوجة العمر..
أسأله: مين؟.. قال: أم أولادى ربنا يخليها ويطرح البركة فيها!
قلت: ودى برضه اتجوزتها صدفة زى أم أربعة وأربعين الأولانية!
قال: لا.. دى نقاوة وعلى الفرازة.. نقاوة أمى الحاجة الطيبة اللى عارفة ربنا ومصلية فرضها!
علي أى حال.. فإن أى خطأ أو مصيبة تقع فوق رءوسنا.. فإننا.. علي طول نلقي بها علي شماعة الحظ أو الصدفة.. أو القدر نفسه الذى ساقنا لكى نلتقى «بفلان أو علان».. الذى ورطنا.. وفلانة أو علانة التى ادخلتنا في عالمها الشرير دون أن ندرى.. ودون أن نريد.. وربما «غصب عننا» كما يقولون..
وكلنا يعرف أن الصدفة أو الحظ وهما كلمتان مترادفتان تعنيان أن الذى يحدث ليس لنا دخل به.. وإنما القدر أو الحظ أو الصدفة وكلها تلات كلمات تحمل معنى واحدا.. وهو أننا نركب مركب الدفة فيها للحظ وحده.. وأنه لا دخل لنا فيما يحدث.. وأن طريقنا قد رسمته الأقدار وحدها دون أن يأخذ رأينا أحد.. أى طريق نسلك.. وأى طريق نمشى؟
فى امستردام عاصمة هولندا.. فى خلال جولتى الصحفية في التسعينيات من القرن العشرين فى دول أوروبا.. طلبت أن أتعرف على أحوال السجون وأحوال السجناء والسجينات.. أوصلوني زنزانة نزيلة تحمل الجنسية الكندية.. شابة جميلة لا يتعدى عمرها الخامسة والعشرين كانت تنتظر جلستها الأولى أمام المحكمة إما الإدانة وإما الإفراج!
قالت لي مارلين وهذا هو اسمها: أنا تعرفت علي مارك وهو شاب تحبه من أول نظرة.. أمضينا أياما جميلة في امستردام وروتردام.. وكنت أنا قادمة في رحلة خاصة من كندا بلدي وموطنى.. وفى ليلة فاجأنا البوليس وطرق باب الغرفة التى ننام فيها.. وفتش كل الحقائب.. ثم حملنا مع الحقيبة إياها إلى عربة الشرطة.. ثم إلى الحجز وراء الأسوار..
أقاطعها: ليه كل ده؟.. قالت: عشان لقوا في الحقيبة إياها مخدرات كيلو جرام بحاله هيروين!
قلت لها: يا خبر وده جه منين؟
قالت: اتضح إن صديقى الذى تعرفت عليه وأمضيت معه أياما جميلة كان يتاجر في المخدرات.. وقد حاول أن يخلصنى من هذا المطب بقوله للشرطة الهولندية أن هذا الهيروين للاستخدام الشخصى وليس للتجارة..
ومازلت في انتظار قرار القاضى.. إما إلي الحرية وإما إلى السجن..
قلت لها: كل ذلك بسبب صدفة قادك للقاء عمنا بيتر هو اسمه إيه؟
قالت: بيتر..
قلت لها: الله يجحمه يا شيخة موش كنتى تختارى زى ما بيقولوا الرفيق قبل الطريق؟
ومازلنا مع حكايات الصدفة والبخت والحظ فى حياتنا!
كلمات عاشت:
«خير الأصدقاء.. من أقبل إذا أدبر الزمان!» على بن أبى طالب