الأمن الجنائي ليس في أفضل أحواله الآن لأسباب مفهومة.. هناك مشاكل كثيرة تعوق الأداء.. والأمن السياسي استحوذ علي الجهد والتركيز.. الذين يتحدثون عن ظاهرة الاختفاء القسري يذهبون مباشرة إلي التفسير السياسي فقط.. مع أن نظرة سريعة علي الحوادث المتكررة التي تنشرها الصحف تؤكد أن هناك تفسيرا جنائيا للظاهرة لا يمكن إغفاله بالنظر إلي نوعية الجرائم التي يجري الكشف عنها.
وقد شهدت الأيام القليلة الماضية عدة حوادث دخيلة وغريبة علي المجتمع المصري توحي بأن وراءها عصابات منظمة تخطف وتقتل وتلقي بجثة الضحية علي قارعة الطريق حتي يفاجأ بها الأهالي فيحدث لديهم الرعب من هول ما يرون.. كأنما الهدف إرهاب الناس وبث الخوف في نفوسهم.
تقتل فتاة ويشطر جسدها نصفين.. نصف يلقي في أحد شوارع الجيزة.. والنصف الآخر يلقي في العمرانية.. ويعود مواطن إلي بيته في قرية كفر خضر التابعة لمركز طنطا بمحافظة الغربية فيجد أطفاله وزوجته قد ذبحوا ذبحا.
ويبدو أن هناك تركيزا متعمدا علي قتل الأطفال والاعتداء عليهم بدنيا وجنسيا قبل الجريمة.. فقد تم العثور مؤخراً علي طفلة صغيرة غرب الإسكندرية مقتولة وملقاة في مدخل أحد المنازل بعد أن اعتدي عليها جنسيا.. وقبلها بأيام قليلة عثر أهالي قرية الرقة الغربية التابعة لمحافظة الجيزة علي جثة طفلة مقتولة داخل الزراعات وبها علامات ضرب علي الرأس.. وفي المنوفية اختفي طفل بشبين الكوم في ظروف غامضة.
وقد اعترفت مصادر أمنية بأن هناك فعلا علامات استفهام واضحة تدور حول خطف الأطفال والاعتداء عليهم بطريقة وحشية.. وغالبا بعض الحالات التي يتم العثور عليها يوجد بها اعتداء جنسي بما يوحي بأن هناك أهدافا خفية لتلك العصابات.. أو ربما للإيهام بأن من يقبل علي أرتكاب مثل هذه الجرائم مختل عقليا.. فكيف لإنسان متزن أن ينتهك عرض فتاة لم تتجاوز الـ 8 سنوات.. ثم يقوم بقتلها وإلقائها في أي مكان مهجور.
خلال الأسبوع الماضي حمل بريدي الالكتروني "الإيميل" تقريرا يكشف فيه المجلس القومي للطفولة والأمومة عن عشرات البلاغات التي تلقاها حول حالات اختفاء مفاجئ للأطفال.. وفي بعض الأحيان يختفي الأطفال في محافظة ما ثم تظهر جثثهم في محافظة أخري بعيدا عن مكان الاختفاء أو الاختطاف.. وهذا ما حدث مع حالة الطفل أدهم الذي اختفي بمحافظة القاهرة وظهرت جثته بمحافظة الشرقية.. وهو ما يوحي بشبهة اتجار بهؤلاء الأطفال أو بأعضائهم.
وكشفت احصائية لمركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية أن العام الماضي - 2015 - شهد 1860 حالة خطف وذبح للأطفال.. الأمر الذي وصفه خبراء الأمن بأنه خطير.. مؤكدين أن التقصير الأمني والجهل هما السبب.
هناك من لا يري مبررا لوصف ما يحدث بأنه ظاهرة.. فمازلنا أمام حواث فردية متفرقة.. وهناك من يري أنها جرائم مقصودة لإقناع العالم بأن مصر تعاني من قصور أمني وغير مستقرة.. وهناك من يري أن تلك الجرائم ترتكب بدافع السرقة والتهديد أو الانتقام.. فالأطفال دائما هم الحلقة الأضعف في الخصومات الثأرية بين العائلات.. وهناك من يري أننا أمام لون جديد من الجرائم ينبئ عن وجود عصابات منظمة تديرها من وراء ستار بهدف سرقة أعضاء الأطفال والتجارة فيها.
وفي كل الأحوال يحق لنا أن نقلق ونفكر في القضاء علي هذه الظاهرة التي تشوه وجه مصر.. ولن يكون هناك حل إلا من خلال وجود منظومة نشطة للأمن الوقائي.. وتطبيق القواعد الصحيحة والصارمة.. وإعطاء الأمن الجنائي جانبا أكبر من التركيز.