الجمهورية
عبد العال الباقورى
إسرائيل مريضة وطبيبها مهرج

لا يوجد جديد ذو بال في الانتخابات الإسرائيلية "المبكرة". التي ستجري في يوم الثلاثاء المقبل. 17 مارس الحالي. سوي ثلاث ظواهر لن تؤدي في الغالب إلي تغيير ذي وزن في النتائج التي ستسفر عنها عملية التصويت. وهذه الظواهر هي رفع نسبة الحسم "أي نسبة الأصوات التي تحصل عليها أي قائمة انتخابية ليكون لها حق التمثيل في البرلمان" من 2% إلي 3.25%. بعد أن كانت من قبل 1% فقط. مما أدي إلي خفض عدد القوائم التي تخوض الانتخابات. وثانيا: ظهور كتلة "يسار وسط" يمكن أن تنافس وتوازن اليمين ممثلا في الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء وائتلافه الحاكم. وثالثا: ائتلاف أربعة أحزاب عربية في قائمة واحدة. يمكن أن تحصل علي 14-16 مقعدا. وتحتل المركز الثالث بين القوائم الفائزة وفي تكوين الكنيست الذي يضم 120 مقعدا. ويتأكد غياب الجديد المؤثر في هذه الانتخابات إذا أسفرت عن حصول الليكود علي أكبر عدد من المقاعد. وإذا عاد نتنياهو إلي رئاسة الحكومة. وهنا. هل يعني هذا عودة ريمة إلي عادتها القديمة؟. من المؤكد "لا" إن المرء لا يعبر النهر مرتين نتنياهو 2015 ليس نتنياهو 1996 حينما تولي رئاسة الحكومة لأول مرة. بل إن إسرائيل اليوم تختلف بدرجة أو أخري عن ذي قبل. سواء اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا أو عسكريا. أو في الإقليم الذي زرعت فيه. أو في العالم الذي تعيش فيه. في 1996. كان نتنياهو معقد أمل الإسرائيليين الذين تصوروه منقذا. أما اليوم فإن أهم شعارين في مواجهته. هما: "إسرائيل تريد التغيير". و"المهم ألا يكون نتنياهو". وعلي ألسنة كبار العسكريين أصبحت سياسته توصف بالكارثة وبأنها مدمرة لمستقبل إسرائيل. كما توصف إدارته للمعركة ضد إيران وسلاحها النووي بأنها أشد خطرا علي إسرائيل من السلاح النووي الإسرائيلي نفسه.
فراغ قيادي
باختصار. يقول الإسرائيليون من العامة والخاصة من السياسيين وغير السياسيين في نتنياهو اليوم ما لم يقولوه ضد أي رئيس آخر لحكوماتهم منذ 1949. فهل بعد هذا. سيعود الإسرائيليون لمنح نتنياهو أكبر عدد من المقاعد في البرلمان مما يحصل عليه أي حزب آخر؟ قبل أسبوع واحد من إجراء الانتخابات. ومع كتابة هذه الكلمات. لايزال هذا الاحتمال واردا. ولا يضاده إلا حتمال آخر وهو حصول الكتلة المنافسة علي العدد الأكبر من المقاعد بفارق مقعدين أو ثلاثة. هذه من مفارقات السياسة في الكيان الصهيوني. خاصة وأنه منذ دخل نتنياهو دائرة رؤساء الحكومة في 1996. ومنذ اختفي نجم ارييل شارون أصبحت إسرائيل تعيش ما أسميناه منذئذ "فراغا قياديا". وهو فراغ لم تملؤه شخصيات صعدت إلي رئاسة الحكومة مرة واحدة ثم غربت شمسها مثل إيهود أولمرت. ومن قبله إيهود باراك. ولم تبق سوي تسيبي ليفني التي يمكن أن تعود إلي رئاسة الحكومة لو فازت القائمة التي تشارك فيها مع "إسحق هيرتزوج" - من حزب العمل - وتم تلقيها - أي القائمة - تكليفا بتشكيل الحكومة ونجحت في ذلك. علما بأن ليفني لها تجربة سابقة في هذا المجال. حين حصلت علي أكبر عدد من المقاعد ثم فشلت في تشكيل ائتلاف حكومي يحظي بتأييد الأغلبية في الكنيست.. ثم تنقلت بين أكثر من حزب إلي أن وصلت إلي ائتلافها الحالي مع حزب العمل بزعامة هيرتزوج. وهو الائتلاف الذي ينافس بقوة نتنياهو وحزبه - الليكود - في الحصول علي أعلي عدد من المقاعد. ولاتزال المنافسة بينهما غير محسومة إلي ما قبل أسبوع من الانتخابات. كما سبق القول.
وهذا التأرجح لن يحسم إلا عند حساب عدد الذين شاركوا في التصويت وصوتوا لمن. الواضح من متابعةالإعلام الإسرائيلي أنه يقف بشكل كامل ضد نتنياهو باستثناء صحيفة وحيدة هي "إسرائيل اليوم" صحيح أن الإعلام الإسرائيلي - خاصة الصحافة والتليفزيون - يلعب دورا كبيرا في تشكيل الرأي العام. ولكن الناخب الإسرائيلي ذو طبيعة خاصة. إنه أساسا نائب عقائدي. ويكاد يكون تصويته مبرمجا. وحتي هنا فإن الخريطة الانتخابية الإسرائيلية شهدت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي حالة تداخل غريبة. اختلط فيها اليمين باليسار. وتداخل المتدينون مع العلمانيين. خاصة في أحزاب اليمين. مما يحجب رؤية حدود فاصلة بين المعسكرات المختلفة سياسيا. ويمكن في ضوئها ترجيح تفوق حزب أو اتجاه أو جناح ضد آخر.
الطبيب المهرج عبء سياسي
أصبح الإعلام الإسرائيلي بعامة شبه مجند ضد نتنياهو في حملة لا تتوقف ليلا أو نهارا. ولا يستطيع أحد أن يحصي عدد المقالات ولا كم التقارير التي نشرتها الصحف وأذاعتها الفضائيات والتي انصبت علي رأس نتنياهو منذ إعلانه في ديسمبر الماضي عن حل الكنيست. وتبكير الانتخابات. وطرد ستة وزراء من أعضاء حكومته!. إن قراءة هذا كله وتحليله مهم لمعرفة مدي اهتزاز منصب رئيس الحكومة في إسرائيل. وبالإضافة إلي ما سلفت الإشارة إليه من شعارات وتوصيفات لنتنياهو. فإن الصحفي الكبير سيفر بلوتسكر وصفه "يديعوت. 9 مارس" بأنه عبء علي حزبه وليس ذخرا استراتيجيا. وتوقع أن حكومته - إذا شكلها - ستكون قصيرة العمر جدا. أما أمير أورن فكتب في هآرتس في التاريخ نفسه: إسرائيل مريضة. وتحتاج إلي طبيب ولمصيبتها فإن من يعالجها مهرج طبي. ورغم المجال المشترك. يوجد بين المهنتين فارق ما. وعندما يجري المهرج عملية جراحية. فإن ما يبدأ بالضحك ينتهي بالبكاء.
ولعل نبوءة "بلوتسكر" عن أن حكومة نتنياهو - لو قدر له أن يشكلها - ستكون "قصيرة العمر جدا" تكاد تحظي باتفاق عام بين السياسيين والمحللين الإسرائيليين. وهم يرصدون في ذلك بشكل خاص آثار الحملة السياسية التي تنصب علي رأس نتنياهو منذ قرر أن يتحدي الإدارة الأمريكية - وعلي رأسها باراك أوباما - ويقوم بإلقاء خطاب أمام الكونجرس الأمريكي. واشتعلت الحملة مع إلقاء الخطاب وبعده. ولاتزال آثاره تتفاعل في داخل إسرائيل وفي أوساط اليهود الأمريكيين. فضلا عن الغضب المكتوم من جانب إدارة واشنطن. التي لم يتوقف بعض أعضائها عن انتقاد نتنياهو وخطابه. وستكون لكل هذا آثاره علي المصوتين في يوم الثلاثاء المقبل. بدرجة أو أخري. ولعل من آثار ذلك المقال الطويل الذي كتبه صحفي كبير هو "ناحوم برنياع" في 6 مارس الحالي بعنوان "تنازلات نتنياهو.. تقريبا سلام". وكشف فيه خفايا سياسة نتنياهو تجاه قضية فلسطين. حيث يقبل سرا ما يرفضه علنا. خاصة بشأن الانسحاب إلي حدود 1967. وإزالة مستوطنات. والاعتراف بحقوق لاجئي 1948. والموقف من نمو الأردن.
نتنياهو نفسه اعتبر هذا المقال تسريبا أمريكيا. ووجه غضبه ضد من يقف وراء هذا. وزعم أن هذه الأفكار كانت مجرد مقترحات ولم يقبلها أو يوافق عليها. وزاد الطين بلة حين أعلن بعد هذا تراجعه عن خطابه في جامعة بار إيلان الذي أعلن فيه موافقته علي حل الدولتين. وقال في 7 مارس الحالي: "لن تكون هناك انسحابات إسرائيلية جديدة من أراض محتلة ولن تكون هناك انسحابات ولا تنازلات". جاءت هذه الكلمات وكأنها قفاز جديد يلقيه رئيس الوزراء الإسرائيلي في وجه الرئيس الأمريكي. لأنها صدرت بعد يوم واحد من نشر أنباء بأن باراك أوباما يرفع تحريك عملية التسوية بطرح "مبادرة سلام جديدة". ونشرت صحف إسرائيلية تفصيلات عن اتجاهات التفكير في الإدارة الأمريكية. خاصة بعد أن تأكد أن نتنياهو وافق علي إدارة المفاوضات مع أطراف فلسطينية أو مع ممثلين للقيادة الفلسطينية علي أساس حدود 1967. حدث هذا ثلاث مرات وربما أكثر منذ 2011. وآخرها في بداية العام الماضي. وتضمن ذلك فتح ملفات سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلي إنكارها جملة وتفصيلا. مع أن إحدي الجولات شارك فيها بنفسه جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الحالي. الذي توصل إلي وثيقة إطار أمريكي. لم يعلنه. وإذا أعلنه اليوم أو بعد الانتخابات الإسرائيلية مباشرة. فماذا ستكون آثاره علي نتنياهو وعلي أي حكومة يشكلها؟ سؤال لا يستحق الانتظار. خاصة إذا كان من الراجح أن تفتح انتخابات الثلاثاء المقبل الباب لأسرع انتخابات مبكرة في إسرائيل. منذ 1949. وسنري. واسلمي يا مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف