مكرم محمد احمد
أسئلة سعودية صعبة وإجابات مصرية واضحة!
على امتداد عمرى المهنى، تجنبت دائماً الدخول فى محاجاة مع أى زميل عربى صاحب رأى، اعتقاداً من جانبى أن تطابق المواقف بنسبة 100% بين الإخوة الأشقاء، أو بين الدول الأشقاء، أمر يكاد يكون متعذراً، فضلاً عن حق الاختلاف فى الرؤى، الذى ينبغى على الجميع احترامه.. لكن ما حيلتى، وقد كتب الزميل السعودى عبدالله ناصر العتيبى فى صحيفة الحياة السعودية اللبنانية مقالاً يفيض غضباً وسخرية من مصر، يتساءل فى أول سطوره: أين مصر؟! ولماذا اختارت أن تختفى خلف مشكلاتها الداخلية!؟، وهل أصبحت بالفعل عاملاً معطلاً لحلول المنطقة، تضع العصى فى العجلات كلما أراد الآخرون التقدم إيجابياً فى مشكلات الشرق الأوسط!؟، وما هى مبررات هذا الموقف المصرى غير المقبول بالمرة؟!.
وبعد هذه المقدمة العنترية الاستنكارية، تأتى أسئلة الزميل السعودى الثلاثة فى صلب الموضوع، أولها: لماذا لا تُفعل مصر مشاركتها فى التحالف العربى ضد الحوثيين فى اليمن؟!، ولماذا سحبت مساهمتها الجوية والبرية؟، ولماذا اختصر إسهامها على سلاحها البحرى الموجود بالقرب من باب المندب، يراقب حركة الملاحة البحرية تأميناً لقناة السويس، وتعزيزاً لمصالح مصر؟!.
وأظن أن الزميل العتيبى يعرف جيداً أنه فى تحالفات الحروب تفرض البديهيات أن يكون قرار الحرب قراراً مشتركاً يشارك فيه كل الحلفاء، يقدر تبعاتها ويحدد حجم الدور المطلوب من كل حليف فى نطاق خطة مشتركة يتفق الجميع على تفاصيلها، صحيح أن مصر لم تشكُ من تفرد السعودية بقرار حرب اليمن، كما فعلت باكستان وإندونيسيا، ودول أخرى وجدت نفسها فجأة عضواً فى هذا التحالف!، ومع ذلك فعلت مصر أقصى ما تستطيع، شارك أسطولها فى حماية باب المندب، ومراقبة شواطئ السعودية لمنع أى تسلل تخريبى يأتيها من البحر، كما شاركت فى بعض العمليات الجوية، مساندة للسعودية التزاماً بواجبها القومى ووفاء لدور السعودية، التى لم تقصر أبداً فى دعم مصر، فضلاً عن أن لمصر تجربة سابقة فى اليمن، راح ضحيتها الآلاف من الجنود المصريين، علّمتها أنه فى المناطق الجبلية، التى تسيطر عليها تحالفات القبائل وتنفذ إلى داخلها تدخلات خارجية بالمال والسلاح يحسن أن يكون حل المشكلة سياسياً، لأن الحرب تتحول فى مثل هذه الأحوال دائماً إلى حرب استنزاف تنهك كل الأطراف، يصعب معها إنجاز حسم عسكرى واضح، وهذا بالضبط ما يحدث الآن فى الحرب اليمنية حيث لا تزال قوات الطرفين عند مواقعها فى تعز ومأرب وصنعاء رغم حدوث بعض التقدم المحدود، ولو أن السعودية سألت مصر المشورة، فمن المؤكد أن الوضع فى اليمن، كان يمكن أن يكون أفضل كثيراً من الوضع الراهن، والآن تجمع كل القوى العالمية والإقليمية كما يجمع كل خبراء الاستراتيجية على أنه ما من حل عسكرى للأزمة اليمنية، وغاية ما يستطيعه التحالف الآن، تحسين موقفه العسكرى والجلوس إلى مائدة التفاوض من موقع قوة، لإلزام الحوثيين بالانسحاب إلى أراضيهم، وتشكيل حكومة يمنية جديدة تحظى برضا كل الأطراف والالتزام بإعادة تعمير اليمن لعل الجراح تندمل.
وفى سؤاله الثانى، تساءل الزميل العتيبى، لماذا لم يكن لمصر منذ البداية قرار حاسم فى شأن بشار الأسد، الذى فعل بشعبه ما فعل!؟، ولماذا تجنح مصر الآن إلى تغيير موقفها لصالح بشار!؟، وهل تدعم مصر بشار الأسد، لمجرد أنه عدو للرئيس التركى رجب طيب أردوغان!؟.
وأظن أننى على تواضع دورى ومكانتى، أملك رداً واضحاً ومباشراً يقطع بأن مصر لا تقف إلى جوار بشار الأسد، لكنها تساند بقوة ضرورة الإبقاء على الدولة السورية، والدولة السورية ليست بشار الأسد، إنها المؤسسات، التى تنهض الدولة على أركانها وتنهار فى غيبتها، لأن انهيار الدولة السورية لا قدر الله سوف يزيد من فرص انتشار الفوضى فى الشرق الأوسط، وسوف يؤثر على مصير العراق والأردن ولبنان، وسوف تكون له عواقب وخيمة على مجمل المنطقة العربية، وربما يؤدى إلى قيام دويلات الطوائف التى ربما لا يسلم من مصيرها معظم دول الخليج!، فضلاً عن أن سوريا تحولت بفعل التدخلات الخارجية إلى بؤرة صديد لا تفرز سوى أكثر جماعات الإرهاب ضلالاً وعنفاً، 97 جماعة سورية مسلحة حتى أسنانها، أغلبها يحمل أسماء إسلامية، تنشط فى تدمير البلاد وقتل المواطنين وتخريب المدن دون أن تمس شعرة واحدة من رجالات بشار الأسد!!.. وعندما تقف مصر إلى جوار الدولة السورية، فإنها لا تفعل ذلك نكاية فى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى رأت السعودية أن من صالحها أن تتحالف معه، ورأت مصر أن هذا حق خالص للسعودية لا تعترض عليه، رغم أنه تم دون تشاور معها!.
ثم يأتى سؤال العتيبى الأخير: لماذا استضافت مصر وفداً من حزب الله، الذى تعتبره السعودية منظمة إرهابية!؟، وماذا يكون ردود أفعال مصر إن استضافت السعودية فى المقابل تنظيماً دولياً يؤيد جماعة الإخوان المسلمين رداً على ذلك؟!.
وأظن أن الزميل العتيبى يعرف جيداً أن أحوال مصر مع حزب الله لم تكن أبداً على ما يرام، وأن مصر لها اعتراضاتها الواضحة على سياسات حزب الله، التى وصلت إلى حد الاجتراء على تحريض القوات المسلحة المصرية ضد الحكم، فضلاً عن الدور الذى لعبته بعض كوادر حزب الله فى أحداث 25 يناير، لكن مصر تعرف جيداً أن حزب الله يشكل جزءاً صعباً من معادلة الاستقرار والحكم فى لبنان، لا ينبغى السكوت على أخطائه، ولا ينبغى دفعه إلى المزيد من الشطط، ومن الضرورى إلزامه، أو محاولة إلزامه، بالحرص على أن يكون حزباً وطنياً لبنانياً، وليس إحدى أذرع التدخل الداخلى فى الشأن اللبنانى!.. وإذا كانت معظم أطراف الداخل اللبنانى، وبينهما الأقرب كثيراً إلى السعودية لا تزال تحرص على استمرار الحوار مع حزب الله بحثاً عن مخرج للأزمة اللبنانية، التى لعب فيها حزب الله دوراً سلبياً زاد الطين بلة، يصبح من واجب مصر ومسئولياتها أن تفتح حواراً مع حزب الله يساعد الأطراف اللبنانية على تجنب حرب أهلية استمرت 15 عاماً، كما حدث فى الحرب الأولى، ويلزم حزب الله احترام مسئوليات الدولة اللبنانية، وشروط أمنها واستقرارها وبين هذه الشروط العلاقة الصحيحة بين السعودية ولبنان.
وباليقين، فإن مصر لا يمكن أن تدعو حزب الله كى تتواطأ معه على مصالح السعودية فى لبنان أو المساس بها، لأن الذى بين مصر والسعودية أكبر وأضخم كثيراً من الذى بين مصر وحزب الله، وشتان الفارق فى الحالين!.
وأظن أيضاً أن السعودية عندما أخذت قرارها باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لم تأخذه مجاملة لمصر، وإنما أخذته استناداً إلى حيثيات محلية وطنية وخليجية أكدت لها الدور السلبى الذى تلعبه الجماعة فى الشأن الخليجى الداخلى، وكيف عضت الجماعة اليد التى قُُدمت لها فى محنتها خلال ستينات القرن الماضى كل عون!.. ومن ثم، فإن التهديد المبطن بدعوة السعودية لتحالف دولى يساند جماعة الإخوان رداً على زيارة وفد حزب الله لمصر هو فى الحقيقة تهديد فى غير محله ولا محل له من الاعراب!.. ، وأخيراً وليس آخراً يلوم السيد العتيبى الإعلام المصرى، لأنه يتحسس كثيراً من مدح السعودية رغم ما تفعله من أجل عالمها العربى!، وأقولها بصراحة إن هذا غير وارد. لقد وقف الإعلام المصرى، ولا يزال يقف، إلى جوار معركة السعودية فى اليمن، وتجنب تماماً معارضة السعودية علناً فى الشأن السورى، رغم اختلاف بعض المواقف، وشكر من أعماقه السعودية ملكاً وحكومة وشعباً، ولا يزال يشكر!، لكن صناعة الإعلام المصرى ليست مدح الرؤساء والملوك آناء الليل والنهار، فهناك مشاكل وطن وأمة تستحوذ على القدر الأكبر من اهتمامه ومع ذلك سوف تبقى السعودية جزءاً من اهتمام المصريين وتقديرهم وحبهم رغم شكوك العتيبى التى لا محل لها من الاعراب!.
وأخيراً أدعو الزميل العتيبى إلى أن يفتح عينيه جيداً، ليرى حقيقة مصر، ويعرف عن يقين أن مصر لا تصادر على حق أى دولة عربية فى أن تقوم بمسئولياتها، وأنها رغم تاريخها الطويل الذى يمتد أكثر من 5 آلاف عام لا تزال دولة فتية أكثر من 60% من سكانها دون الـ30 عاماً، نهضت بثورتين هما أهم ثورتين حدثتا فى التاريخ الإنسانى دفاعاً عن حق الإنسان المصرى فى الكرامة والحرية والتقدم، ولا تزال مصر فتية عفية رغم ما مر بها من أحداث ومحن، وليست الرأس الكبير طريح الفراش، الذى يرفض أن يتحرك أى من أبنائه لاعتقادهم أنه سوف يشفى من مرضه العضال، كما يقول العتيبى!!، مصر الفتية تنهض الآن بمسئولياتها كاملة، تحارب الإرهاب بضراوة نيابة عن أمتها العربية، وتدفع من أجل ذلك الكثير، وتعيد بناء وطنها من جديد، دولة مدنية ديمقراطية حديثة تحترم الرأى والرأى الآخر، وتستعيد مكانتها وريادتها بين الأمم، وتصحح علاقاتها مع أفريقيا فى إيقاع سريع، أعاد المياه إلى مجاريها القديمة، وتحرص على علاقات التضامن العربى، حفاظاً على حقوق ومصالح أمتها العربية، ولا تمانع فى أن تبدى كل يوم تشكراتها للسعودية ملكاً ودولة وشعباً، مؤكدة حرصها على حوار شفاف ومباشر بين الدولتين يناقش بصراحة كل هذه المشاكل والقضايا، ويجلى علاقاتهما أولاً بأول دون وسطاء.