د. محمود خليل
«تحدى التعديل» و«تحدى التفعيل»
الثلاثاء المقبل هو موعد تدشين «جبهة حماية الدستور»، التى تضم بين صفوفها مجموعة من الرموز الوطنية والسياسية، ويقودها السيد عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين التى تولت إعداد دستور 2014، ذلك الدستور الذى وافقت عليه أغلبية كاسحة من أفراد الشعب المصرى، وهو يعد أحد المكتسبات الحقيقية لموجة الثورة الثانية فى 30 يونيو 2013. وجود هذه الجبهة أصبح ضرورة ملحة، ليس لحماية الدستور من التعديل وفقط، بل للسعى إلى تفعيل مواده التى وافق عليها المصريون أيضاً.
وفى ظنى أن الهدف الثانى للجبهة «التفعيل» يفوق فى ضرورته الهدف الأول. فتعديل الدستور ليس بالأمر السهل، ولعلك تابعت حالة الرفض التى قوبلت بها بعض التلميحات التى دعت -من هنا وهناك- إلى إجراء تعديلات على بعض من مواده، وقد ذكر الرئيس عبدالفتاح السيسى، صراحة، أن البعض أساء فهم حديثه عن مواد الدستور التى صيغت بنية حسنة. فالرئيس يستوعب أن الدستور الحالى هو العقد الاجتماعى الذى ارتضاه الشعب لصياغة علاقته بالسلطة. من هذا المنطلق أجد أن القلق من تعديل الدستور أمر مبالغ فيه، فى ظل حالة من الوعى بأن التجرؤ على الدستور مجازفة غير محمودة العواقب، كما أكدت التجربة السياسية المصرية منذ الرئيس السادات، وحتى الرئيس المعزول محمد مرسى.
الدور الأهم والجهاد الأكبر لجبهة حماية الدستور يتحدد فى الضغط من أجل تفعيل مواده. فثمة اتفاق على أن دستور 2014 لم يجرب حتى الآن، وأن هناك قوانين صدرت خلال الأشهر الأخيرة تتعارض فى فحواها ومحتواها مع مواد صريحة ينص عليها، يأتى على رأسها «قانون التظاهر»، كما أن هناك بنوداً إيجابية عديدة اشتمل عليها لم تطبق حتى الآن، من بينها البنود التى تنص على تخصيص نسب محددة من الموازنة العامة للتعليم والصحة والبحث العلمى، ناهيك عن البنود المتعلقة بصلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية. الجهد الحقيقى لجبهة حماية الدستور لا بد أن يتمثل فى الدفاع عن كل بند من بنوده، وإثارة وعى عام بها، يساعد على وجود ضغط شعبى يدفع نحو تنفيذها.
«تحدى التفعيل» يفوق فى خطورته وأهميته «تحدى التعديل». ونجاح الجبهة فى تحقيق الهدف الأكبر سيخلق لها أدواراً شديدة الإيجابية فى حياتنا السياسية، خصوصاً إذا بدأت عملها بتصور واضح عن آليات السعى من أجل التفعيل، وتمكنت من حشد المؤمنين بهذا الهدف بطريقة فاعلة وخطط ناجحة تصب فى النهاية فى طريق تحقيق الهدف. وجود مثل هذه الجبهات أمسى البديل الموضوعى لحالة التراجع فى أداء القوى السياسية، أو ما يطلق عليه البعض «تجفيف السياسة»، لأن تجفيف السياسة يؤدى بالبداهة إلى «تجميد الدستور». المهم ألا تتحول الجبهة الوليدة إلى «جبهة تليفزيونية»، يجتهد أعضاؤها وأنصارها فى رص الأحاديث التليفزيونية، وحضور اللقاءات الدعائية ودمتم، لأنها لو فعلت فسوف تقوم -من حيث لا تدرى- بإهالة المزيد من الجمود والتجميد على الدستور. نبل المقصد لا بد أن يتوازى معه كفاءة وفاعلية الأدوات التى توظف فى تحقيقه والوصول إليه.