خيرية البشلاوى
رنات -القلم والسيف والساموراي
"الساموراي" هم طبقة المحاربين في اليابان حتي انتهاء العصر الإقطاعي "1603 - 1867" وكانوا يمثلون الطبقة العسكرية النافذة التي تحتل أعلي السلم الاجتماعي في النظام الطبقي و"الساموراي" في الثقافة اليابانية بشكل عام يعتبر النموذج والمثل الأعلي في الالتزام بالقيم الأخلاقية والمبادئ السلوكية والانضباط الصارم والشهامة والولاء.
وقد تأثرت السينما اليابانية بهذا النموذج وقدمه المخرج الياباني الأشهر أكيرا كيروساوا "1910 - 1998" في عدد من الأفلام التي حققت نجاحا كبيرا خارج اليابان ومنها فيلما "راشمون" الذي كان بداية تعارف حقيقي علي المستوي الجماهيري بين السينما اليابانية والجمهور في أوروبا وأمريكا حيث عرض الفيلم عام 1951 وحصل علي جائزة "الأسد الذهبي" في مهرجان فنسيا السينمائي الدولي.. وبعدها تم عرضه في أوروبا وأمريكا وحصل علي تقدير نقدي ونجاح جماهيري كبير.. وحصلت السينما اليابانية نفسها علي اهتمام واعتراف دولي واسع.
كثيرون من كبار مخرجي السينما الأمريكية اعترفوا بتأثرهم الكبير بالمخرج كيروساوا وذلك في مقالات موثقة ومنهم المخرج جورج لوكاس الذي كشف عن هذا التأثير في سلسلة أفلامه "حرب الكواكب" وأيضا المخرج لونتين ترانينو وحصل أكيرا ساوا علي السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي عن فيلمه "كاجيموشا" ولم يتوقف تأثيره كمخرج فقد تأثر به المخرج الإيطالي برناردو برتولفشي. والأمريكي دفرانسير فورد وكوبولا وآخرون وأصبح ميراثه السينمائي "مدرسة" فريدة في فنون السينما.
وثقافة "الساموراي" تعتبر جزءا لا يتجزأ من ثقافة الشعب الياباني. فالساموراي هو المحارب النبيل وليس مجرد مقاتل استخدم اشكالا مختلفة من الأسلحة ولكن يظل "السيف" هو السلاح الرمز الذي يلازمه وقد اشتهر بمهاراته الشديدة في استخدامه.
وهو ليس مجرد محارب همام وإنما مثقف عميق المعرفة والخبرة الحياتية.
وفي كتاب "مبادئ الساموراي" الذي ترجمه وليام سكوت ويلسون.. تجد وصفا "للساموراي" كموديل يحتذي ونموذج للأجيال اللاحقة والسينما اليابانية لا تكف عن انتاج الأفلام التي تدور حول هذه الشخصية المحاربة سنويا.. فهناك مئات الأفلام التي تصور شخصية الساموراي وتقدمه ليس باعتباره شخصية اسطورية من التاريخ أو قبل أن تنطلق اليابان وتصبح دولة حديثة فائقة التقدم. ولكن باعتباره يمثل جوهر المبادئ التي تشكل صلب الثقافة اليابانية.. "فالساموراي" بطل صوّره الأدب الياباني وجسدته السينما اليابانية وفنون القتال العسكرية.
انه شخصية نموذجية ليست بعيدة المنال وهو المثال الذي يحتذي بالنسبة للأجيال اللاحقة.
كثير من الأعمال الأدبية اليابانية الموثقة التي كتبها محاربون "ساموراي" منذ القرن الثالث عشر وحتي الآن تنطوي علي نسق من المبادئ التي بدونها لا يتحقق التلاحم والتكامل بين قوات "الساموراي" بل وبين شرائح الشعب الياباني نفسه.
روح "الساموراي" وميراثه الفكري والثقافي والشعبي هي التي جعلت اليابان قوة ضاربة علي جميع الأصعدة الإبداعية. وجعلت "صنع في اليابان" علامة ثقة وامتياز. وجعلت هذا البلد الآسيوي الرائد نموذجا علي القدرة والتحدي رغم قنابل أمريكا النووية علي "نجازاكي" و"هيروشيما" وجعلت الإنسان الياباني يلجأ إلي "الانتحار" أحيانا لو انه واجه تهمة أخلاقية أو فشل مهنيا.. بالأخلاق والعلم ومبادئ "الساموراي" شكلت اليابان.
"روح" الساموراي العسكرية المنضبطة وتكوينه العقلي القائم علي مبادئ لا مكان فيها للانتهازية والفساد الوظيفي والبيروقراطي والتكاسل والاستسهال هي التي جعلت من هذا البلد بلدا رائدة حتي في معارض الزهور وألعاب الأطفال ولا اعتقد أن شعار "يسقط حكم العسكر" المشبوه والمدمر قد خطر علي بال أي من المواطنين في اليابان.. ولن يخطر في أي من المراحل كما أتصور.
لقد حصل اكيرا كيروساوا - ايقونة السينما اليابانية - علي جوائز عالمية لإسهاماته الكبيرة في تطور السينما ولغتها الجمالية مثلما حصل علي كثير من التكريمات والجوائز الشرفية من العديد من المحافل الدولية مثل مهرجان كان وفنسيا وسان فرانسيسكو السينمائي الدولي. وفي مناسبة العيد المئوي لميلاده "2010" اطلق العديد من المشاريع السينمائية في المؤسسات العلمية بهدف تعلم الأجيال الجديدة من السينمائيين والتعريف بأفلامه وبالعالم المبهر الذي أبدعه من خلال أعماله وهو عالم ياباني خالص. حتي وهو يقتبس من الأدب العالمي.