الوطن
د. محمود خليل
هل يركب المضطر الصعب؟!
تصور: السعودية تطلب قرضاً دولياً بقيمة 10 مليارات دولار لتعالج العجز فى موازنتها العامة!. أسباب حالة التدهور التى أصابت الاقتصاد السعودى معروفة؛ أولها الانخفاض المذهل فى أسعار البترول، حيث لم يعد سعر البرميل يزيد على 30 دولاراً، بل ومن المحتمل جداً أن يقل عن ذلك، بسبب التطورات المتلاحقة فى تكنولوجيا إنتاج «البترول الصخرى»، يضاف إلى ذلك بالطبع الكلفة الاقتصادية الكبيرة التى يتحملها اقتصاد المملكة، جراء الحروب التى تخوضها فى اليمن وسوريا، للوقوف ضد التمدد الإيرانى فى المنطقة، وهو تمدد محسوس بالفعل فى مواضع عدة، وليس بإمكان أحد أن ينكره.

التكلفة العالية لانخفاض البترول، والتمويل اللازم للوقوف ضد التمدد الإيرانى أرهقا الاقتصاد السعودى، وجعلا السياسة الخارجية للمملكة أكثر عصبية، وهى عصبية تصل فى بعض الأحوال إلى حد الشراسة، يشهد على ذلك القرار الذى اتخذته السعودية مؤخراً بوقف المساعدات التى كانت تمنحها لدولة لبنان، بسبب سياسات حزب الله الداعمة لإيران، وقيادة مجلس التعاون الخليج لتصنيف الحزب كمنظمة إرهابية، ويخشى الكثيرون أن تمتد تأثيرات السياسة الخارجية العصبية التى تنتهجها المملكة إلى مصر، ومن المعلوم أن السعودية شكلت سنداً قوياً لنظام ما بعد 30 يونيو. هذه الخشية لها ما يبررها، وما أزمة الدولار منا ببعيد، وليس ببعيد عنا أيضاً سياسات التقشف الدولارى التى التزمت بها الحكومة خلال الفترة الأخيرة.

مصر تتمسك بالحل التفاوضى للأزمة السورية، وتتحفظ على الاجتياح البرى لسوريا للتخلص من نظام «بشار» وتنظيف أراضيها من تنظيم «داعش»، فى حين لا ترى المملكة بداً من إسقاط «بشار»، حتى ولو أدى الأمر إلى التدخل بقوات برية، وهى تتعاون فى هذا السياق مع تركيا. ولا يقتصر الخلاف فى وجهات النظر على الملف السورى، بل يمتد أيضاً إلى العديد من الملفات الأخرى المشابهة، وعلى رأسها الملف اليمنى. ومن المعلوم أن بوصلة الخليج بأكمله توجد فى المملكة العربية السعودية، وبالتالى فالمواقف التى تتخذها الأخيرة، تعقبها مواقف مماثلة من كافة دول الخليج. حدث ذلك خلال فترة الدعم السخى بمليارات الدولارات التى دفعها الخليج لمصر بعد 30/6/2013، ذلك الدعم الذى بدأ يشح خلال الفترة الأخيرة، بسبب ما يمكن وصفه بحالة «البرود فى العلاقات المصرية السعودية»، والتى انعكست أيضاً على علاقة مصر بباقى دول الخليج.

لعلك تذكر أننى حذرت غير مرة من الاعتماد على المعونات والودائع والقروض الخارجية فى حل المشكلات الاقتصادية، وقد كان أمام السلطة فى مصر فرصة جيدة لمعالجة المشكلات الناتجة عن الإرهاب وضعف الاستثمارات، خلال الفترة التى كانت المساعدات الخليجية تنهمر على مصر، لكن ذلك لم يحدث، لأسباب يتعلق بعضها بالأداء العام، وأسباب أخرى خارجة عن سيطرة السلطة. أمام هذا المأزق تبقى مشكلة تلخصها عبارة «المضطر يركب الصعب». ففى الأحوال التى تتفاقم فيها المشكلات قد يندفع المرء إلى الموافقة على ما كان يرفضه بالأمس، نتيجة الضغوط التى يعانى منها. وهنا يكمن الخطر.. فهل يركب المضطر الصعب؟!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف