الأخبار
يوسف القعيد
يحدث في مصر الآن - لا تصافحُ
اقترحت علي بعض الزملاء أن يكون هناك قرار موحد بينهم بمقاطعة نائب التطبيع والتزوير. وعدم الاهتمام به. ولكن الطبع غلَّاب

كنت أقف في الطرقة الدائرية المحيطة بالقاعة الرئيسية لمجلس النواب أتحدث مع النائبة الدكتورة جهاد عامر، والنائب أحمد سلام الشرقاوي، حين لمحنا حالة من الهيجان ثم هلت علينا زفة نائب التطبيع والتزوير يمشي وحوله الإعلاميون من كل مكان.
كان مزهواً بنفسه. ينظر حوله ليقول لنا: شاهدوا وتأكدوا أنني الأهم. يحيا كأنه يعلق مرآتين، كل مرآة في إحدي أذنيه ليري نفسه في كل لحظة. وليتابع خلجات وجهه وسكنات وجدانه. لم أكن راضياً عن تكالب الزملاء الصحفيين عليه. وانتظاره كأنه يحمل لهم الفرج. فهو الوحيد من بين النواب الذي يمكنهم من إرسال مانشيتات لصحفهم وكلام كبير يملأ جرائدهم. يفرحون بما يقوله لهم ولا يدققون الأكاذيب التي يعرفونها.
عاتبتهم أكثر من مرة. خصوصاً بعد أن اتهمهم نائب التطبيع والتزوير بأنهم جميعاً عملاء لأجهزة الأمن المختلفة في مصر. وأي اتهام عام مرفوض. بالعكس يعكس فراغ وخواء من يوجهونه للآخرين ويكون مطمئناً بأنه يقول الصواب.
اقترحت علي بعض الزملاء أن يكون هناك قرار موحد بينهم بمقاطعة نائب التطبيع والتزوير. وعدم الاهتمام به. ولكن الطبع غلَّاب. إحداهن قالت لي إنني أحضر كل صباح من أجل تغطية ما يحدث وما يجري. وتصرفات نائب التطبيع والتزوير وأقواله وسلوكه غير المتزن يوفر لنا مادة لا نجدها عند العقلاء.
فكرت في الاتصال بالزميل يحيي قلاش، نقيب الصحفيين. وحاولت الاتصال أكثر من مرة. لأقترح عليه قراراً جماعياً من النقابة يلزم كل أعضاء النقابة بمنع نشر أقوال أو أخبار أو صور لنائب التطبيع والتزوير واعتباره كأنه غير موجود. وهو ما قامت به النقابة والزملاء تجاه إنسان آخر كان قد تعود علي إهانة الصحافة والصحفيين. وبعد أن تاب وأناب وأعلن التوبة علي رءوس الأشهاد. عادوا يكتبون عنه وينشرون صوره.
وشبق الإعلام والجري وراء غواية الصورة والبحث عن كاميرا أو جهاز تسجيل مرض معروف. نائب التطبيع والتزوير ليس الأول. ولن يكون الأخير. بل إن البعض يفتعل حكايات ويتصور روايات لم تحدث من أجل أن تكتب عنه الصحف أو تتناوله التليفزيونات أو الراديوهات.
مثل هذا النوع من البشر يبدأ يومه بالجري وراء الصحف. يستحضرها. يفتحها باحثاً عن نفسه. صوره أو كلامه أو أخباره. فإن وجد ما يشفي غليله قال لنفسه مُردداً بيت شعر صلاح عبد الصبور: ما زلت حياً فرحتي. وإن لم يجد أخباره أو صوره يصيبه الغم والنكد ويتصور أنه مات. رغم أنه يعيش مثلنا جميعاً. فدلالة الحياة الوحيدة بالنسبة له أن يكون له مكان في الإعلام. وعلي الرغم من أن الإعلام يشكل شهادة ميلاده الأساسية. فليس لديه مانع من الهجوم عليه واتهام القائمين عليه اتهامات لا أساس لها.
هل هي حالة الخواء الداخلي؟ أم هو الفراغ النفسي غير العادي الذي يجعل الإنسان لا يعرف ما يريد؟ ولا كيف يحقق ما يرغب في تحقيقه؟ وهكذا يتخبط في تصرفاتٍ يُقدم عليها دون تفكير.
يأتي نائب التطبيع والتزوير إلي البرلمان لا ليناقش قضايا الأمة. ولا ليحل مشاكل من انتخبوه. لكن فقط لكي يجلس في البهو الفرعوني ويلتف حوله الصحفيون ويبدأ في الكلام. يقول كلاماً غير مسئول أكثر من نصفه أكاذيب. هو أول من يعرف أنها أكاذيب. والهدف الوحيد أن يصوروه وينقلوا كلامه وينشروه. بصرف النظر إن كان صحيحاً أم لا. مع عدم إدراك مصالح الوطن العليا ولا ما يمر به من تحديات. علينا جميعاً أن نحاول الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة.
أخذني المغرور البهلوان بعيداً عن الحكاية. فعندما كنت أقف مر علينا تسبقه الكاميرات. وتحيط به الأقلام. وتُرفع أمام فمه أجهزة التسجيل. وهو مستمر في الكلام. لا يعنيه ما يقول بقدر ما يهمه فكرة الاستمرار. رآني فتوقف. ومد يده لي ليصافحني. مع أننا لسنا أصدقاء. وما بيننا لا يزيد علي اللقاءات العامة.
احترت ماذا أفعل؟ هل أمد يدي لليد التي صافحت سفير الكيان الصهيوني في مصر؟ ضابط الموساد السابق؟ أم ماذا أفعل؟ ورغم أنني لست من الذين يقدمون علي تصرفات مفاجئة. وأفضل التفكير فيما أقدم عليه قبل أن أفعله. إلا أنني رفضت أن أصافحه. وعندما سألني عن السبب - تخيَّل - قلت له إن اليد التي صافحت سفير الكيان الصهيوني لا يمكن أن أصافحها.
سألني عن السبب. قلت له: لأن يدك مليئة بدماء مائة ألف شهيد استشهدوا دفاعاً عن بلادنا ضد الصهاينة. تذكرت علي الفور قصيدة أمل دنقل: لا تُصافح. التي أصبحت تميمة لعصرنا.
رفضت وضع يدي في يدٍ ملوثة بالدماء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف