في بلدنا قانون يحدد مواصفات بدلة الرقص الشرقي رقمه ٤٣٠ لسنة ١٩٥٥ أما الآن لا يوجد في بلدنا قانون يحظر دخول النائب مبني البرلمان وسط زفة
لم يشهد بلدنا في السنوات الأخيرة.. حدثا يجسد كل أوجاعنا.. مثلما جري في جلسة البرلمان يوم الأحد الماضي لسبب بسيط.. هو انه وقع داخل أهم الرموز في أي دولة في العالم.. وهو البرلمان.
البرلمان رمز.. ومكان انعقاده رمز.. وكل نائب من نوابه رمز.. وكلها رموز يرانا العالم من خلالها.. ولها احترامها وقدسيتها.. ومكانتها الفريدة في قلوب الشعوب.. كالعلم والسلام الوطني وغيرها من الرموز التي تمتلئ النفوس بجلال قدرها ومنزلتها الرفيعة منذ نعومة الاظافر في سن الطفولة.. عندما يري الطفل الابوين يقفان وقفة الخشوع عند الاستماع لعزف السلام الوطني.. علي سبيل المثال.
والبرلمان هو أحد هذه الرموز.. ولذلك فقد افرطت الدول في وضع القواعد المنظمة لمراسم ودخول قاعاته وأروقته.. والزي الذي يتعين علي النائب الالتزام به.. وسلوكيات الجلوس.. وآداب طلب الكلمة.. واسلوب الحوار بين النواب وبين المنصة التي يشغلها رمز آخر من رموز الوطنية.. التي يتعين أن يحظي بكل الاحترام.. بلا تسويف أو إهمال أو اثارة جدل ساذج من أجل الشهرة الكاذبة.
ولذلك تتفق دول العالم علي مجموعة من القواعد التي تعد بمثابة «التقاليد» الراسخة التي تشكل السلوكيات البرلمانية.. ليس من أجل انضباط الجلسات.. والمحافظة علي رموز الحياة البرلمانية.. وإنما لتكون القدوة للاجيال الجديدة التي تتابع آداب النقاش واحترام الرأي الآخر.. وهي الاجيال التي تعطي أصواتها لمن يحترم القوانين واللوائح المنظمة لحياة المواطنين.. بلا صراخ.. ولا صفعات.. ولا تلويح بالاحذية.. من اناس تسيطر عليهم حماقة انهم علي الهدي ومن سواهم في ضلال.. ويغوصون في لجج الاباطيل بلباس الوطنية.. فيسيئون لانفسهم ويقدمون للرأي العام المحلي والعالمي صورة غير صحيحة لمجمل الأوضاع في الوطن ويشوهون صورته الذهنية في عقول البشر علي وجه البسيطة.
السخيف في الموضوع ان «توقيت» الأحداث المؤسفة التي شهدها البرلمان يوم الأحد الماضي.. جاء في الوقت الذي يقوم فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي بجولة آسيوية نسعي من خلالها لفتح آفاق الاستثمار والسياحة والتعاون الاقتصادي مع مجموعة من الدول الصاعدة.. التي تأخذ طريقها بأدوات العصر ومنجزاته والثقافة السائدة في ربوعه لتتحول الي قوي عظمي اقتصادية صاعدة.. في العصر الذي يشكل بعد نهاية الحرب الباردة.. وتراجع القوي العظمي السابقة التي اعتمدت علي سباق التسلح.. والعنجهية!
وهكذا جاءت أحداث يوم الأحد.. تلقي بظلالها علي الدعوة الوطنية بجذب الاستثمارات وتشجيع السياحة.. وفتح آفاق التعاون في المناطق الصناعية المقامة علي ضفاف قناة السويس الجديدة.. كخطوة أولي في طريق الاصلاح وتوفير فرص العمل.. والارتقاء بمستويات المعيشة وتحقيق أهداف الثورة المجيدة التي اندلعت من أجل مواكبة الزمن.
المشكلة هنا ان أجهزة الاتصال الحديثة التي حولت العالم إلي قرية كونية صغيرة.. اتاحت الفرص السانحة لنقل تفاصيل ما جري في جلسة البرلمان لكل ارجاء القرية الكونية.. واتاحت لعناصر الثورة المضادة.. استثمار ما جري بالغرف علي أوتار الفوضي.. وهدم الاستقرار.. وغيرها من الاكاذيب.
ولذلك يبدو من الطبيعي ان يطرح السؤال.. هل جاء «توقيت» ما جري في جلسة البرلمان.. بالصدفة البحتة.. وبلا تخطيط سابق يواكب الجولة الآسيوية التي قام بها الرئيس السيسي لكل من كازاخستان واليابان وكوريا الجنوبية؟!
هل جاء حشد أحد النواب للعشرات من جماعة حازم أبوإسماعيل.. يحملونه فوق الاعناق في مشهد يفوق كل الوان الاخراج السينمائي وهو يقتحم حديقة مبني البرلمان.. التي تحولت فجأة إلي حديقة مبتذلة.. وموطنا لاقدام اناس يضربون عرض الحائط بالاداب العامة والقواعد المرعية التي يتعين علي كل مواطن احترامها والالتزام بها مهما بلغ من صول وجول.. وحصانة يخفي بها نزواته المجنونة.
مشهد سينمائي.. افتقد الموسيقي التصويرية وهو يعكس «عقدة» الزعامة.. والجماهير الغفيرة التي ظل الشيخ حازم أبوإسماعيل يستخدمها بصفاقة.. قبل أن يكتشف ان السيدة والدته تحمل جنسية دولة كافرة.. تشبها بالكفار.. حيث يظهر النساء هناك بملابس العري والخلاعة.
كان مشهد النائب.. محمولا علي اعناق الجماعة التي كان يستأجرها الشيخ حازم أبوإسماعيل.. لاقتحام مبني البرلمان.. يسعي لهدف واحد.. وهو انه «زعيم» له شعبية الشيخ حازم.. وانه اقوي من البرلمان.. بل انه اقوي من الدولة ومن القوانين.. وهو يلوح بيديه في خيلاء وكأنه سعد قد عاد لتوه بعد أن فتح القادسية.
واكتمل المشهد الاسطوري بما جري داخل القاعة.. من ارتفاع الأحذية فوق رءوس الاشهاد في الداخل وفي كل اركان القرية الكونية التي نعيش في ربوعها.. وتناقلته صحف العالم.. في الوقت الذي كنا فيه في أشد الحاجة لدعم الصورة الوطنية التي كان يقدمها الرئيس السيسي من اجل دعم الاصلاح الاقتصادي واستكمال مسيرة المشروعات الكبري.. وتقديم الواقع الذي نعيشه بشكل أفضل.. يتفق مع جلال المرحلة التي نعبرها.
ونعود لنسأل أنفسنا:
من الذي حدد موعد لقاء النائب المصري والسفير الإسرائيلي ودعوته لعشاء تحوم حوله كل الوان الشبهات المشروعة؟
هل جاءت الدعوة.. بمحض الصدفة.. أثناء جولة الرئيس السيسي الآسيوية التي نري انها تفتح آفاق التعاون مع القوي الاقتصادية الصاعدة في العالم؟
هل هي الصدفة.. أن يقتحم النائب «المحترم» مبني البرلمان محمولا علي أعناق جماعة السلاسل البشرية.. وحصار مدينة الانتاج الإعلامي.. وغيرها من جرائم الخيانة العظمي التي ارتكبت في ظل حكم جماعة من الخونة والجواسيس؟
نحن أمام سلسلة طويلة من علامات الاستفهام حول توقيت ما جري في جلسة البرلمان يوم الأحد الماضي.. وهي اسئلة مشروعة يتعين طرحها.. قبل أن تستفحل الأمور.. وتتحول إلي تقاليد برلمانية راسخة.. لا يأنس إليها مستنفر الوحوش.
المشكلة هنا أن في بلدنا قانونا يحدد مواصفات بدلة الرقص الشرقي رقمه ٤٣٠ لسنة ١٩٥٥.. وينص علي ما يتعين ان تكون عليه بدلة الرقص الشرقي.. وأن تكون مقفولة في نصفها الأسفل.. وبلا فتحات جانبية.. أما بالنسبة للصدر والبطن فتكون مغطاة بطريقة غير منافية للآداب.
كما يحدد القانون نفسه حركات الراقصة بالتفصيل.. حركة.. حركة.. فمنع علي سبيل المثال الاستلقاء علي الظهر.. وفتح الساقين إلي نهايتهما علي الأرض.. ومنع اداء حركات «اهتزازية» إلي أعلي أو أسفل أو حركات «الرعشة» الخ..
حدث ذلك سنة ١٩٥٥ بالنسبة لبدلة الرقص الشرقي أما الآن ونحن سنة ٢٠١٦ فلا يوجد في بلدنا قانون يحظر دخول النائب مبني البرلمان وسط زفة من انصاره يحملون له الدفوف والمزاهر.. ولا قانون يجرم ارتفاع الأحذية أثناء انعقاد الجلسات.. وفي حركات اهتزازية يحرمها القانون رقم ٤٣٠ لسنة ١٩٥٥.
لا يجوز للأحذية أن تقوم بحركات اهتزازية داخل قاعة البرلمان.. ليس لانه حرام ولكن لانه «عيب»!