المساء
مؤمن الهباء
شهادة- فوضي مجلس النواب
لو سألتني عن كلمة السر في الفوضي التي تسيطر علي مجلس النواب.. والتي حولته إلي ساحة للانقسامات وضرب الأحذية والطلاق وهبوط لغة الحوار.. فسوف أجيبك علي الفور بأنها غياب السياسة والمنافسة الحزبية المنظمة التي تجعل لكل كلمة تحت قبة البرلمان لونا وطعما ومعني بعيدا عن العشوائية والهرجلة.
وعندما تغيب السياسة يضطرب المشهد بأكمله.. وتغيم الرؤي.. ويتحول الأداء البرلماني إلي استعراض للقدرات الفردية والتطلعات الفردية.. ويصبح كل عضو مؤسسة مستقلة بذاتها.. مؤسسة غامضة غير معروفة الملامح ولا يمكن التنبؤ بمواقفها.. تعتمد علي ذراعها ونفوذها.. وتتحرك وفق طموحها الذاتي الذي لا تعرف حدوده.
ويبدو أن غياب السياسة عن مجلس النواب كان مقصودا من البداية.. منذ أن تم هندسة قانون انتخاب المجلس لتكون أغلبية المقاعد للنظام الفردي علي حساب مقاعد الأحزاب.. بناء علي تصورات قديمة خاطئة بأن نزع السياسة من البرلمان سيجعله أكثر ليونة.. وسيجعل اهتماماته محصورة في صراعات المجالس المحلية.. وسيجعل أقصي تطلعات نوابه الحصول علي تأشيرات الوزراء لتخليص خدمات ومصالح الناخبين.. وبالتالي لن يمدوا أنظارهم إلي ممارسة دور في القضايا الكبري.. ومما يؤسف له أن هذه النظرة القاصرة هي التي قادت البرلمان إلي الوضع السيئ الذي نراه.
لقد تابعنا أزمات المجلس منذ الجلسة الأولي.. جلسة أداء القسم.. ثم صراعات إقرار اللائحة والانقسامات حول كل القضايا.. وتكرار طرد النواب من الجلسات وتبادل الاتهامات والشتائم والتهديد والوعيد.. واتخاذ بعض النواب لمواقف ثم التراجع عنها بشكل غير مبرر.. وكأنهم في مجلس عرفي وليس في برلمان قوي يمثل إحدي السلطات الثلاث في الدولة.. السلطة التي تضع القوانين وتراقب أداء السلطة التنفيذية.
ولابد أن نعترف بأن هذه الممارسات السلبية تنال من مكانة وهيبة البرلمان.. وساعد علي ذلك أن معظم النواب الجدد جاءوا إلي المجلس بلا خبرة سياسية سابقة.. ولم تكن لهم ملامح ومواقف تؤهلهم للدور الذي سيؤدونه تحت القبة.. كما أن النواب القدامي تنحصر رؤيتهم لدور البرلمان في المساحة التي حددها نظام ما قبل 25 يناير ..2011 ويتصورون أنه بالإمكان إعادة عقارب الساعة للوراء.. ناهيك عن أن هؤلاء وهؤلاء خاضوا معركة الانتخابات وفازوا اعتمادا علي اسم العائلة أو النفوذ الشخصي.. والأغلبية تلاحقهم تهمة استغلال المال السياسي.
ولو أن قانون الانتخابات أعطي المساحة الكبري من مقاعد مجلس النواب للأحزاب والقوي السياسية الحية والفاعلة في المجتمع لكي تظهر وتتشكل وتنضج لاختلف الأمر كثيرا.. ولأصبحت عندنا تجربة برلمانية حقيقية.. تجربة وليدة ولكنها واعدة ويمكن البناء عليها وتطويرها.. ولما رأينا الممارسات السطحية والبذيئة التي لا تنم أبدا عن أي وعي.
القضية لم تتوقف عند الشتائم والتهديدات والضرب بالأحذية.. فلن ننسي أن كاميرات المصورين ضبطت إحدي الشخصيات الكبيرة في المجلس وهو يقوم بالتصويت "الإلكتروني" نيابة عن زملائه.. ثم تمر الواقعة علي الجميع مرور الكرام.. بينما يتم ضبط وإحضار أحد سائقي القطارات لأنه اختلس ثلاثة جنيهات من أموال الحكومة.
والغريب أن كثيرا من النواب صاروا مقتنعين الآن بقرب حل المجلس بسبب الصخب الذي يثار حول أدائه ودوره.. فالتجربة ليست جيدة.. ولم تؤت الثمار المرجوة.. وهناك علي دكة الاحتياطي وربما في مقاعد المتفرجين من هم أكثر مهارة وكفاءة من كثير ممن يخطفون الكاميرات والأضواء في الملعب.. والمهم هنا أن نتعلم الدرس لكي يكون القادم أفضل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف