فى قصة الملك الهراس -من قصص ألف ليلة وليلة- يتنكر الملك وينزل وسط الناس، بحثاً عن قصة مثيرة تخرجه من حالة الملل التى أصبح يشعر بها، يخرج إلى الرعية مع الوزير، فيُعاين مشاهد عدة، كان أكثرها إثارة مشهد رجل يمتطى ظهر فرس يجلدها بعنف، وهى تلف به فى دائرة، ويصرخ قائلاً: «لفى يا دايرة.. دورى فى دايرة.. لا تعرفى أولها.. ولا تعرفى آخرها». اكتشف الملك فى ما بعد أن الفرس -فى الأصل- هى زوجة الرجل، وقد قام بسحرها، بمساعدة أحد الدراويش، عقاباً لها على خيانته، وكان يعذبها باللف والدوران، فما كان من الملك إلا أن طلب من الرجل أن يُعيد الفرس إلى صورتها الآدمية، وعاقبها على الخيانة بقطع رأسها!.
أحوالنا هذه الأيام تشبه حال تلك الفرس التى تدور فى حلقة مفرغة، لا نعرف أولها، ولا نعرف آخرها، نحن فقط ندور!. لو أنك تأملت الطريقة التى يتعامل بها المواطنون مع الأزمة الاقتصادية التى تلف البلاد حالياً، فستجد أن من معه جنيهات يسارع إلى تسييلها فى ذهب أو دولارات أو عقارات، والنتيجة ارتفاع أسعار هذه السلع الثلاث، ثم ارتفاع أسعار باقى السلع داخل السوق، متأثرة بحركة السلع الغطائية للأموال. يخرج من أنفق ماله فى الذهب والدولار والعقار، ليشترى احتياجاته، فيجد أن أسعارها ارتفعت، يذهب إلى الطبيب فيُفاجأ بارتفاع سعر الكشف، ينصت متأففاً إلى أولاده، وهم يطلبون أسعاراً أعلى للدروس الخصوصية، ومصروفات أغلى للمدارس. يلاحظ المهنيون (السباك والنجار والحداد وغيرهم) الارتفاع فى الأسعار، فيرفعون هم الآخرون أسعار خدماتهم، ليضيع العائد بعد ذلك فى جيوب أصحاب السلع والخدمات التى يحتاجون إليها. فى النهاية لا أحد يربح، بل على العكس يخسر الجميع، وتتسمم حياتهم، وبإمكانك أن ترصد ذلك بسهولة، بتأمل خرائط وجوه المصريين هذه الأيام!
هل تذكر وعد الرئيس بخفض الأسعار نهاية نوفمبر 2015، وهو الوعد الذى تمدّد بعد ذلك إلى نهاية ديسمبر من العام نفسه؟ لقد أعطى الرئيس توجيهات إلى المسئولين بخفض أسعار السلع الأساسية (السكر والأرز والزيت وخلافه) التى يحتاج إليها المواطن الفقير.. والسؤال ما وضع الأسعار اليوم؟ بإمكانك أن تراجع هذا الأمر بسهولة بالتعرّف على معدلات الزيادة فى الأسعار آخر ثلاثة أشهر. هل تذكر أيضاً أن وعد الرئيس بخفض الأسعار، سبقه كلام كثير أيام حكومة المهندس إبراهيم محلب عن وضع أسعار استرشادية لمحاصرة الغلاء الذى يمسك بخناق الناس؟ ليس من المستبعد أن نسمع خلال الأيام المقبلة وعوداً وأحاديث تدور فى الدائرة نفسها، وتؤكد أن الحكومة سوف تحاصر الأسعار التى أصبحت بلا لجام.
نحن كمجتمع وكسلطة ندور فى دائرة، تشبه تلك التى دارت فيها الفرس الخؤون، ولم يعد هناك حل لمشكلاتنا سوى النزول عن هذه الفرس، والتعامل مع الحياة بأسلوب تفكير مختلف، أسلوب تفكير «خارج الدائرة». الملك الهراس لم يعجبه دوران أحد رعاياه فى حلقة مفرغة، فحسم الأمر، لكنه نسى وهو ينصت منتشياً إلى الوزير الذى يمتدح حكمته، أنه كان يدور هو الآخر فى الدائرة نفسها، فبمجرد انتهاء المغامرة، عاد إليه الملل القديم، ونزل من جديد يبحث عن حادثة مثيرة وشغف جديد!.