عباس الطرابيلى
هموم مصرية -تعويم الدولار.. جريمة كبري
لست مع الأصوات المطالبة بتعويم الدولار.. لأنها هنا تعويم للجنيه المصري.. وهو- إذ تمت هذه الجريمة- يعني «غرق الجنيه» وسوف تتلوها عمليات غرق أخري رهيبة.. والتعويم يعني ببساطة إطلاق سعره.. والدولار هنا حصان جامح.. ومادام الطلب عليه في صعود.. فإن سعره سوف يستمر في الصعود.. بينما تنهار سعر العملة الوطنية، وربما نضطر للتعامل في «بالكيلو» كما حدث في السودان، في التسعينيات!!
<< ومادام الطلب علي الدولار مستمراً- لتغطية طلبات المستوردين- بينما الاحتياطي النقدي الدولاري في الحضيض.. فإن النتيجة معروفة.. لأن المعركة هنا ليست متكافئة. وهنا نحقق للمتآمرين هدفهم الذي يسعون إليه لتركيع الدولة المصرية وإعلان إفلاسها.. حتي يجبروا الدولة علي اتخاذ إجراءات اقتصادية ومالية عنيفة تؤثر في مستوي أسعار كل شيء.. وتقلل من الدعم الحكومي للسلع الأساسية من كهرباء ومياه وخبز وسكر وزيت.. هنا يتحرك البسطاء.. يثورون.. ينقلبون علي السلطة.. فتسقط الدولة.. ليتقدم المتآمرون، ويجلسوا علي العرش حتي ولو كان تم تدميره هو أيضاً.. وهذا هو هدفهم الأكبر..
<< ولن نقول: كان سعر الدولار كذا قرش.. ولن نكرر القول بانتهاء عرش البيضة أم مليم.. ولا سعر رغيف العيش.. ولكن أقول ماذا ننتج. وبكم.. وماذا نأكل وكم يتكلف ما نأكل ونعيش. والفرق بين الاثنين هو الكارثة.. لأن الدولة الضعيفة «فقط» هي التي تنفذ رغبات الكسالي.. ولا تحسن إدارة ما تحت يديها..
وواضح أن الحكومة- ومنذ سنوات- تلبي طلبات الناس.. ولا تجرؤ علي الاقتراب من مقدسات الدعم. ومن الرغيف وقزازة الزيت وملعقة السكر.. وربما تخشي من الاقتراب من كل هذه المقدسات.. ولكن علي الحكومة- وعلي إعلام الطبل والزمر الذي يسير في ركابها- أن تتجرأ- ولو قليلاً. ولا تخشي هذه الجرأة أن رأي الناس أنها- أي الحكومة- بدأت بنفسها برنامج التقشف. وفي مقدمته، وقف أي مشتريات حكومية فوراً ومهما كانت الحاجة إليها.. وكفاية «منجهة» توقف ذلك ليس لعام واحد فقط، بل لمدة 10 سنوات علي الأقل. وان توقف أيضا نزيف الاستهلاك الحكومي.. وكفاية سيارة واحدة، أو يا سيدي سيارتين للوزير.. ومكتبه.. ولماذا لا يشترك اثنان أو ثلاثة من وكلاء الوزارة- وما أكثرهم- في سيارة واحدة. ويباع الباقي وفوراً. ويدخل ثمنها ليس في حساب الوزارة.. بل في حساب الدولة.. وهكذا.. لو وجد الناس أن الحكومة بدأت برنامج التقشف الحقيقي بنفسها.. ساعتها يمكن أن يقبل هو- كل الشعب- السير علي نفس المنهاج التقشفي.. علي أن يمتد هذا السلوك الحكومي إلي المحليات والمحافظات.. ويا سيدي «اعطوهم بونات لاستخدام المواصلات العامة مجاناً.. مرتين يوماً، لا أكثر!!
<< هنا تعلن الحكومة خفض فواتير الاستيراد بنسبة 50٪ وفوراً بعد أن تراجعت كشوفات ما نستورده.. ونعرض هذه الكشوفات وما سوف نمنع استيراده علي الشعب.. وعلي البسطاء منه قبل الأغنياء.. ونستمر في هذا المنع لمدة 4 سنوات.. ثم نوقف نسبة أخري وسلعاً أخري لمدة تالية.. وهكذا..
وفي المقابل نعطي ميزة لمن ينتج أكثر.. ولمن يصدر أكثر.. ولمن يوفر أكثر.. ولمن يدخر أفضل.. وكل ذلك بعد أن يقتنع الناس بمزايا العمل والإنتاج.. وفوائد التصدير والحد من الواردات..
<< وأن نطلق من جديد و«عملياً» صيحة قومية وطنية للعمل وللإنتاج وأن نعيد للحياة «صنع في مصر» ليس نظرياً.. ولن نطالب الناس بالاكتفاء بثوب واحد للصيف.. وآخر للشتاء.. حتي لا يتحمل الجيل الحالي أعباء «إعادة بناء الوطن».. نعم سوف نتحمل كثيراً.. ولكن بدون هذه الثلاثية لا تقدم: الترشيد الحكومي والشعبي.. والحد من الاستيراد.. والإنتاج المحلي..
<< بهذه وحدها- مهما كانت المرارة الشديدة فيها- سوف نوقف مخطط ضرب مصر الذي يستهدف إسقاط الدولة.. وهو مخطط يجري المطالبة له، يبدأ بتعويم الجنيه، أقصد إغراق الجنيه..
ولا ضرر أن نتحمل 10 سنوات.. فمصر عمرها مئات القرون.. فقط نكون جادين.. وخير لنا لو أطلقنا الجنيه وانطلقنا لتعويمه، ونحن أقوياء.. من أن نجري وراء سراب التعويم، ونحن ضعفاء بل في القاع..
<< وصدقوني.. تلك الروشتة هي العلاج.. قبل أن تغرق المركب.. بكل ما فيها.. وكل من فيها..