الوفد
حازم هاشم
مكلمخانة -ضغوط الحياة الفنية
أزعجنى فيض المبالغات التى أضفاها بعض من الفنانين والفنانات على التأثر الشديد الذى أحب هذا البعض أن يبديه!. إزاء قرار إحدى فنانات الغناء اعتزال فنها نهائياً، وقطع الصلة بينها وبين الحياة الفنية بلا رجعة أو تراجع!، فقد أفاض هؤلاء فى استعراض المشاعر إزاء قرار الفنانة التى فاجأت الجميع من زملائها والجمهور بهذا القرار!، والذى سببته الفنانة بأنها تتعرض لحالة حادة من الضغوط النفسية والعصبية التى عانت منها مؤخراً!، وقد استرعت مبالغات زملاء الفنانة فى محاولة لإثناء المطربة عن قرارها والعودة الى «عشاق فنها» وعلى رأسهم إحدى زميلاتها وهى تعتبر صاحبة القرار بأن صوتها ـ صوت المعتزلة ـ «منحة من السماء»!، وأن عليها أن تراعى بعد قرارها ما يحمله هذا للجمهور من حالة حرمان حادة!، وقال أحد الموسيقيين إن قرار اعتزال الفنانة يعنى خسارة فادحة لفن الغناء والموسيقى، ولست أحب أن أستطرد فى عرض بعض مما ورد فى صدى اعتزال المطربة الغناء وهى فى «قمة تألقها الفنى»!، فهذا قرار يعنى أن الفنانة قد رأت أن مواصلة الطريق يشكل عبئاً فادحاً على روحها وربما يعود عليها بمتاعب صحية هى فى غنى عنها!، وهى حرة فى قرارها هذا، وحيث عبرت عن رغبتها فى التفرغ لتربية أبنائها ورعاية أسرتها وبيتها، وعنى فإننى أتصور أنها ربما رأت أن حياتها بعيداً عن الطريق الذى بدأته وتراجعت عنه سوف تستمتع وتسعد أكثر مما هى عليه رغم الشهرة والأضواء والحياة الصاخبة فى العالم الفنى.
لكننى رأيت أن للمسألة وجهاً آخر أو وجوهاً أخرى ربما لا تحضر كثيرين ممن باغتهم قرار الفنانة، وأظن أن بداية ما أريد قوله إن العالم الفنى الحالى فى مصر قد أصبح يرتب على بعض أهله عبئاً نفسياً وعصبياً ثقيلاً، بعد أن أصبحت الفرصة للتحقق ضيقة، وسباق التنافس يمثل ضغطاً عصبياً لمن يحاول اللحاق بدوره فى السباق المحموم، وعلوم النفس تعرف أن هناك من الشخصيات ما هو غير قابل للتوتر!، بمعنى أن هناك من الناس من يتمتع بطاقة تتفوق به على آخرين فى القابلية للعيش فى توترات وعوامل مقلقة، وهذا الصنف من الناس يمكن له التوافق مع أحلك الظروف وأشد المفاجآت إيلاماً إذا ما بذل من طبيعته قدراً من المرونة يجعله قادراً على امتصاص التأثير عليه والصمود لما هو أنكى وأشد!، وما نسميه «زمن الفن الجميل» لا يعنى متعة الاطلاع على فنون الغناء والتمثيل فى السينما والمسرح بما لا نراه ربما فى العصر الفنى الحالى، بل هذا الزمن الجميل كان يستوعب كذلك الفرص لكل الساعين للعمل بالفنون على اختلافها، فكانت الحياة الفنية أبسط مما هى عليه حالياً!، بل كان «الزمن الجميل» يعنى قدراً لا بأس به من الاستقرار والسواء النفسى لمن يعملون بالفنون من الكبار والصغار على السواء!، ولم يكن هذا شأن العمل بالفن فى مصر فقط، بل كان هذا متاحاً فى بلدان عربية يزدهر فيها فن الغناء وتأليف الموسيقى، ولكن هذه البساطة ودرجة السواء النفسى التى أتاحت عندنا فرص الاستقرار والاستمرار، كان يقابلها بعض الحالات الاستثنائية التى نرى فيها بعض الذين حققوا شهرة واسعة فى أنحاء من العالم وقد هزمتهم توترات الحياة التى يعيشونها ويبدون فيها كأنهم قد حققوا كل شىء!، ولعل أشهر هذه الحالات الاستثنائية الفنانة العالمية الأشهر «مارلين مونرو»!، التى أنهت حياتها ذات يوم بالانتحار عمداً فى فراشها!، وكانت إلى وقت قريب من ذلك تبدو غاية فى السعادة، خاصة بعد أن أحبت وتزوجت كاتباً عالمياً مسرحياً شهيراً هو «آرثر ميللر» الذى فوجئ كما فوجئ العالم كله بانتحار مارلين!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف