اعترف المهندس شريف اسماعيل رئيس الوزراء بأن الظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر حالياً صعبة.. والوضع حرج.. والحكومة تضطر للاقتراض.. وبلغت قيمة الدين العام 2 تريليون و300 مليار جنيه ندفع عنها 250 مليار جنيه فوائد سنوية.. ولا يمكن زيادة الدين العام أكثر من ذلك.
والحقيقة أن هذه الأرقام التي أعلنها رئيس الوزراء علي هامش جولته بمدينة العاشر من رمضان الثلاثاء الماضي ليست جديدة ولا مفاجئة.. وقد ظهرت من قبل في الميزانية العامة للدولة التي أعلنت في بداية العام الماضي.. وكشفت زيادة الدين الخارجي بمعدل 25% عن الأعوام السابقة.. كما أظهرت أن فوائد الدين بلغت 28% من إجمالي الانفاق.
وأخشي ما نخشاه أن يكون إعلان رئيس الوزراء لهذه الأرقام المزعجة - بل المخيفة - قد جاء في سياق التمهيد للقرارات المؤلمة التي تستعد الحكومة لاتخاذها.. والتي سوف يضيف أعباء جديدة علي كاهل المواطنين.. وأول هذه الأعباء يتمثل في تخفيض الدعم وزيادة الأسعار وتطبيق ضريبة القيمة المضافة.
ولاشك أننا نشارك الحكومة انزعاجها وتخوفها من زيادة الدين العام.. والضغط الذي تمثله فوائد الدين علي الميزانية العامة.. لكننا بالقطع نختلف عن الحكومة في رؤيتنا للحل.. وندعوها في الوقت ذاته إلي التفكير في بدائل جادة ومنطقية وواقعية ومقبولة عوضاً عن القرارات المؤلمة التي قد لا تحمد عقباها.
من هذه البدائل أن تمسك الحكومة يديها.. وتدرس بدقة جوانب الإنفاق العام الذي يتسم في بعض الأحيان بالسفه والمظهرية ويتناقض مع كوننا دولة مديونة ومأزومة.. وأن تقتحم الجوانب المسكوت عنها وتعيد النظر فيها.. ابتداء من الصناديق الخاصة وانتهاء بالتوسع في سياسة القروض.. سواء الداخلية أو الخارجية.
إن هذا الحجم الرهيب من الديون يتطلب أيضا من الشعب أن يعمل وينتج.. وأن توفر له الدولة وسائل العمل والانتاج.. هناك ملايين من الشباب العاطل أو المعطل عن العمل.. وهناك مئات المصانع المعطلة منذ سنوات ويجب أن تعود للإنتاج مرة أخري.. وقد طالبت في مناسبات عديدة ومقالات كثيرة أن تكون إعادة تشغيل المصانع المغلقة الكبيرة والصغيرة هي مشروعنا القومي الذي سيحل كثيراً من مشاكلنا.. وتجدر الإشارة هنا إلي أن جولة رئيس الوزراء في مدينة العاشر من رمضان كانت بمناسبة إنتهاء حل مشاكل 15 مصنعاً متعثراً ووضع حلول عاجلة لتشغيل 135 مصنعاً آخر.. وأعلن في الزيارة أن نقص النقد الأجنبي له تأثير سلبي كبير علي القطاع الصناعي.. وأن إجمالي المصانع المتعثرة يبلغ 780 مصنعاً.. بينما هناك تقديرات أخري بأضعاف هذا الرقم.
وهناك المشروعات الصغيرة التي يجب أن تتجه اليها الحكومة كي تستوعب ملايين الشباب.. وهناك أيضا تشجيع الاستثمار الأجنبي والمحلي بكل الوسائل.. وقبل هذا كله علي الحكومة أن تفتش في دفاتر متأخرات الضرائب علي رجال الأعمال وتعيد فتح ملفات الكسب غير المشروع ومئات الملايين من الدولارات التي هرب بها المسئولون السابقون ورجال الأعمال في نظام مبارك.. وكل هذه المجالات يمكن أن تحول إلي أرقام مهمة في الميزانية بدلاً من القرارات المؤلمة.
المهم أن يكون لدي الحكومة رؤية سياسية واقتصادية واضحة.. وأن تعلن انحيازها بكل أمانة لمحدودي الدخل وتعمل علي ترجمة هذا الانحياز في سياساتها وقراراتها.. وأن تجتهد في بث روح جديدة في أوصال المجتمع.. روح التفاؤل والطموح والجدية والطمأنينة والعدل.. وساعتها سوف يتغير وجه الحياة في مصر.