الوطن
د. محمود خليل
أزمة 30 يونيو (1)
«30 يونيو» سلطة وشعب، نظام حكم وبشر، خليط متناثر من القوى والتيارات والفئات التى استقرت على فكرة محددة، ساقتها للخروج فى 30 يونيو 2013، هى رفض حكم الإخوان، أسباب الرفض كانت متباينة، فثمة من كان يرفض الجماعة بسبب تنكرها لثورة 25 يناير، وهناك من رفضها بسبب سياسات الأخونة والسعى إلى اختطاف الدولة لحسابها الخاص وضرب مفهوم الوطنية المصرية، وهناك من ثار ضدها مدفوعاً بإحساسه أن الجماعة ورئيسها عاجزون عن إدارة البلاد والتعامل مع أزمات الحياة اليومية، مثل البنزين والكهرباء، وهناك من خرج ضدها بغرض استرداد السلطة وإعادتها إلى جهتها الطبيعية التى ظلت حائزة لها سنين عدداً!.

ملايين يونيو جمعت الكثير من الأضداد والتيارات المتعاكسة، جمعت ثوار يناير، إلى جوار فلول نظام «مبارك»، وضمت الليبراليين إلى جوار السلفيين، والنشطاء إلى جوار أعضاء حزب الكنبة، والشعب إلى جوار مؤسسات الدولة، من إعلام وشرطة وغيرهما. وعندما أعلنت القوات المسلحة تضامنها مع مطالب الشعب الذى لم يجد من يرفق به أو يحنو عليه -كما جاء فى بيان القيادة العامة الشهير- وصدرت قرارات 3 يوليو مدعومة بتأييد وتمثيل أطياف الخليط المتنافر الذى نزل فى 30 يونيو، شعر أطراف عديدة شاركت فى التحضير للمظاهرات أو نزلت فيها أو قامت بحمايتها وتمريرها أن هذه الثورة ثورتها. وهنالك بدأت الأزمة.

أطراف عديدة نسبت إلى نفسها الفضل فى نجاح «30 يونيو»، «الينايرجية» نسبوا إلى أنفسهم النجاح، وقالوا إنهم أصحاب الفكرة والتجربة الجريئة التى حدثت فى 25 يناير، ولولا «يناير» ما كانت «يونيو»، وغير ذلك من عبارات مؤكد أنك قرأتها أو استمعت إليها،. فلول الحزب الوطنى اقتنعوا بأنه لولا ما امتلكوه من أدوات للحشد لما أفلحت الثورة، والإعلام والإعلاميون قالوا إنهم أصحاب الثورة الحقيقيون وأنهم الذين حشدوا الناس للنزول، مؤسسات الدولة رأت أن الفضل الأول والأخير يعود إليها، فهى التى صمدت ضد محاولات الأخونة، وهى التى مررت بل ودعمت المظاهرات، على سبيل المثال تشابكت أيدى رجال الشرطة مع المواطنين العاديين فى المظاهرات. ووصل الأمر ببعض الأفراد إلى الحديث عن أنهم أصحاب الثورة الحقيقيون، توفيق عكاشة -على سبيل المثال- يصف نفسه بأنه «مفجر ثورة 30 يونيو»، ويصدق نفسه فى ذلك، بل ربما وجد من يصدقه.

كل طرف شارك فى «يونيو» زعم أنه صاحبها، وصدق زعمه، ووجد أيضاً من يصدق زعمه، وأنه لولاه لما نزل الشعب، يستوى فى ذلك الينايرجية، وفلول الوطنى، والإعلاميون، والقوى السياسية المختلفة، ومؤسسات الدولة، الجميع رأى فى نفسه مهندساً للحدث، وصاحب الدور الأهم فى تبصير الشعب بضرورة الثورة على «مرسى وجماعته». والمضحك فى الأمر أن هذه الطريقة فى التفكير تتشابه مع تقييم الإخوان لنزول الناس فى «30 يونيو»، إذ يتصور أنصار الجماعة أن أطرافاً معينة هى التى ساقت الشعب للنزول، ولم يحتشد فى هذا اليوم مدفوعاً برغبته فى التغيير. هنا تكمن أزمة «30 يونيو» الحقيقية، وجوهرها انشغال كل طرف شارك فيها بذاته ونصيبه وعائده، لينسى فى غمرة ذلك الطرف الأهم فى المعادلة.. الشعب.. الشعب الذى نزل فى يناير ونزل فى يونيو حالماً بتغيير أوضاعه وإصلاح أحواله.. ولا يزال مستعداً للنزول تارة أخرى لو أراد من أجل استكمال حلمه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف