حمدى الكنيسى
كلام من لهب ! إنه الإعلام .. يا ريس
تصور يا سيدي إن ما فعله توفيق عكاشة وما تم فعله فيه استحوذ علي معظم البرامج حتي جلس ملايين المشاهدين أمام الشاشات يتابعون القرار المنتظر لإسقاط عضويته
لعلني لست بحاجة إلي أن أقولها واضحة صارخة للرئيس السيسي، فالرجل يبذل جهده حتي أنه لا يكاد يلتقط أنفاسه سعياً متواصلاً لإنقاذ الاقتصاد بالمشروعات الكبري، ودفع عجلة الاستثمار، وتصحيح مسار السياحة، ومن أجل تأكيد استعادة التوازن لعلاقاتنا الخارجية مع مردود ذلك سياسياً واقتصادياً، لكنه لم يلتفت - كما يجب - إلي أن هذه التحركات والانجازات الهائلة تصطدم بعائق عنيد ما كان يجب أن يستمر بصورته المحبطة المعوقة: «إنه الإعلام.. يا ريس» وإذا كنت أؤكد أنني لا أدين الإعلام كله، إلا أنني أؤكد أن محترفي الإثارة والفوضي وتنفيذ الأجندات إياها يغطون - للأسف - علي ما يبذله الإعلاميون المهنيون بحق الوطنيون بحق، ذلك لأن الإثارة تجتذب المشاهدين والمستمعين والقراء خاصة في ظل المجتمعات التي تنشب فيها الأمية التعليمية والثقافية أنيابها السامة!!
هل تود يا فخامة الرئيس أن أذكر لك بعض الأمثلة التي تُجسد كيف يضع ذلك الإعلام العصا في عجلة الإنجاز ليوقفها؟! الأمثلة للأسف كثيرة، واحتراماً وتقديراً لوقتك المضغوط أكتفي بالقليل من هذه الأمثلة.. وهو كثير جداً في أخطائه وخطاياه!!.
أولاً: في الوقت الذي نحقق فيه نتائج ممتازة في مواجهة الإرهاب بالخطط والشجاعة التي تصل إلي حد التضحية بالروح فداء للوطن، لا نجد ما يقابل ذلك إعلامياً، حيث تتجه برامج كثيرة نحو موضوعات أخري لا قيمة لها، بل اننا يفاجئنا البعض بحملات إعلامية تستغل تجاوز أحد رجال الشرطة لتشويه الداخلية كلها دون أي اعتبار لمن يضحون بأرواحهم من أبنائها وما تتعرض له أسرهم، وما يعانيه المصابون منهم!!.
ثانياً: أصل معك يا فخامة الرئيس إلي أحدث الأمثلة الزاعقة، فأنت علي مدي عشرة أيام تفتح مجالات جديدة في آسيا التي أهملناها بسذاجة وغباء، فتزور كازاخستان، واليابان، وكوريا الجنوبية، ويتم استقبالك بحفاوة بالغة علي كل المستويات، وتجري لقاءات مكثفة مع القادة والزعماء، وتعقد اتفاقيات لا ينكر نتائجها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلا أعمي أو أصم أو حاقد!!.. حدث ذلك كله بينما كان اعلامنا مشغولاً بموضوعات وأمور لا طائل من ورائها اللهم إلا إذا كان المقصود هو التعمية علي ما يتم من انجازات، هذا ما أظنه أنا، وان كان بعض الظن اثماً.
تصور يا سيدي إن ما فعله توفيق عكاشة وما تم فعله فيه استحوذ علي معظم البرامج حتي جلس ملايين المشاهدين أمام الشاشات يتابعون القرار المنتظر لإسقاط عضويته وإيقاف قناته بعد أن شغلهم مقاس «الجزمة» التي ضربه بها كمال أحمد وسط تصفيق لنواب واستياء لنواب؟! تصور يا سيدي أن حكاية الفنانة التي قادت سيارتها وهي - لا مؤاخذة - سكرانة حظيت بالكثير من التغطية الإعلامية المثيرة خاصة أنها كانت فرصة للمتربصين كي ينهالوا بالهجوم والسخرية من رجال الشرطة الذين أوقفوها وردوا علي إهاناتها وصفعاتها لهم؟! تصور - يا سيدي - ان الممثلة التي أدارت مسكنها - لا مؤاخذة - للدعارة.. حظيت بما تبقي من أنشطة إعلامية؟! - تصور يا سيدي ان فكرة خطرت فجأة ببال الفنانة شيرين لكي تعتزل الغناء ربما لمجرد «الشو» اجتذبت الإعلام الهمام: لماذا يا فنانة تعتزلين؟! ومن أغضبك يا فنانة؟؟ وما سر عودتك للغناء؟ وما لون «الفستان» الذي تعودين به في الحفلات؟! تلك يا فخامة الرئيس بعض الأمثلة للوقائع الإعلامية المخزية المريبة التي تخللتها كالعادة ملاسنات وخناقات وشتائم متبادلة علي الهواء الإعلامي الملوث دون ضابط أو رابط؟!
فخامة الرئيس: دعني أحدثك بصراحة فما جري ويجري للإعلام من تدن وفقدان للبوصلة الوطنية والمهنية، تتحمل فخامتكم قدراً من المسئولية عنه، حيث إنك لم تعالج الفجوة بين الإيقاع السريع لمؤسسة الرئاسة، والإيقاع البطيء للأجهزة التنفيذية وعلي رأسها الحكومة، ولقد علمت أنا شخصياً من «اللواء عباس كامل» كيف تم تحويل مشروع نقابة الإعلاميين الذي قدمته بنفسي له، إلي الحكومة في نفس اليوم، لكن البطء التنفيذي القاتل جمد حركة المشروع، وكان المفترض أن يتم ذلك منذ عامين تقريباً لتصدر فخامتكم قراراً بقانون يتيح للنقابة ممارسة مهامها فوراً من خلال ميثاق الشرف الإعلامي، ومتابعة ومراجعة مدي الالتزام به وبمدونة السلوك المهني حتي يمكن إعادة التوازن للإعلام ليكون دعماً وسنداً للدولة وليس عبئاً عليها، ومدمراً لعلاقاتها مع الدول الشقيقة وغير الشقيقة كما حدث أكثر من مرة.
فخامة الرئيس: أثق أنكم لن تسمحوا بضياع وقت آخر تتعرض فيه الدولة لكوارث إعلامية جديدة، ومن ثم أتوقع دفع الحكومة التي أقرت مؤخراً مشروع قانون نقابة الإعلاميين إلي رفعه لكم حتي يحال فوراً إلي مجلس النواب، وتمارس النقابة مهامها العاجلة. أما قوانين المنظومة الإعلامية الجديدة وهي المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام والصحافة، ثم الهيئة الوطنية للإعلام المرئي والمسموع والالكتروني، والهيئة الوطنية للصحافة فالمفترض أن يتم إقرارها من خلال اللجنة التشريعية كما وعد وزير العدل المستشار أحمد الزند، علماً بأن هذه المنظومة التي أقرها دستور ٢٠١٤، عندما تنسق معها نقابة الإعلاميين يستعيد إعلامنا البوصلة المهنية والوطنية، كما تكتمل استحقاقات خارطة الطريق بما يليق بشعبنا الذي أطلق أعظم ثورتين مبهرتين، وتحدي - ومازال - المؤامرات والمخططات الداخلية والخارجية.
فخامة الرئيس: تقول الحكمة الشهيرة: الإعلام كالنار - إما أن يجلب الدفء.. أو أن يحرق.