الصباح
سليمان جودة
حتى لا يدرك «أوبر» ما أدرك التاكسى الأبيض من قبل!
من أغرب ما قرأت، أن عددًا من أصحاب سيارات التاكسى الأبيض، قد نظموا وقفة احتجاجية اعتراضًا على دخول شركة «أوبر» وغيرها، إلى مجال الخدمة، لنقل المواطنين فى شوارع القاهرة.
ومن بين ما قاله سائقون خلال الوقفة الاحتجاجية إن «أوبر» ومعها شركات أخرى، قد اقتحمت السوق مؤخرًا، وأنها تقطع عليهم أرزاقهم!
وقد نسى كل سائق محتج، أن زبائنهم لم تنصرف عنهم، إلى «أوبر» وغير «أوبر» إلا لسوء الخدمة فى التاكسى الأبيض، بعد أن كانت الخدمة فيه ممتازة حين بدأ المشروع كله قبل 25 يناير 2011.
لقد جاء وقت ضج فيه المصريون، من التاكسى الأسود، ومن سوء الخدمة فيه، ومن تهالك سياراته، ومن سوء أدب كثيرين من سائقيه، ومن تحكمهم فى الزبائن، ومن فرض أجرة غير عادلة عليهم فى أغلب الأحوال!
وحين بدأت خدمة التاكسى الأبيض لجأ كثيرون منا إليه، واعتبروه طوق نجاة، وفضلوه على التاكسى الأسود، لأن فارقًا كبيرًا فى مستوى الخدمة، كان قائمًا بين النوعين!
كنت تستقل أى تاكسى أبيض، فى أى مشوار، فتجد أنه نظيف، وأن سائقه يحترم زبائنه، وأنه يقطع المسافات المختلفة بالعداد، وليس بالتقدير العشوائى للأجرة، وأنه مزود بالتكييف فى الأيام شديدة الحرارة، أو البرودة، وأنه فى كل الأحوال، تاكسى آدمى، من النوع الذى يستخدمه أغلبنا، عندما يكون خارج مصر، أو على الأقل هو قريب منها.
ويومًا بعد يوم، خاب أمل المصريين، أو غالبيتهم على أقل تقدير، فى خدمة التاكسى الأبيض، ولم يعد هناك فارق تقريبًا، بينه وبين التاكسى الأسود، وأصبحت أنت تأخذ أى تاكسى أبيض، فى أى مشوار، فتكتشف أن كل السوءات التى كانت موجودة فى «الأسود» قد انتقلت إليه.. فلا عداد يحكم بينك وبين السائق، وإنما تقدير عشوائى ينتهى فى حالات كثيرة بخناقات بين السائقين وبين الزبائن، فى عرض الشارع.. ولا تكييف يعمل، رغم أنه يكون فى حالة صالحة للعمل، ولكن السائقين، لأغراض عندهم، يتعمدون تعطيله، أو الادعاء بأنه معطل.. وهكذا.. وهكذا.. حتى صار المصريون يبحثون عن بديل، بأى ثمن، فجاءهم «أوبر» وغير «أوبر» هدية من السماء!
يسافر الواحد منا، إلى أى عاصمة عربية، لا أوروبية ولا أمريكية طبعًا، فيرى بعينيه، أن التاكسى هناك مثله مثل أى وسيلة انتقال خاصة، فى أوروبا، وفى الولايات المتحدة، ويرى أن الاحترام، والآدمية، هما الصفتان الأهم فى أى تاكسى، أو فى أى سائق هناك، وأنه لا سائق يفكر، مجرد التفكير فى أن يعطل العداد، من أجل أن ينال أجرة أكبر، أو يُفسد جهاز التكييف عن قصد، ليحرق طاقة أقل، أو.. أو.. إلى آخر تلك الحيل التى يلجأ إليها سائقو التاكسى عندنا، فى غياب تام للمرور ورجاله!
وربما تلاحظ، أن هذه هى المرة الأولى التى أذكر فيها كلمة «المرور» منذ أول هذه السطور، مع أنها ككلمة، كان لابد أن تكون حاضرة، وأن تكون قاسمًا مشتركًا أعظم، فى كل سطر من هذه السطور.. لقد كانت كل هذه الألاعيب من جانب سائقى التاكسى الأسود، ثم الأبيض، تجرى على مرأى من إدارات المرور ورجاله، دون أن يكون هناك عقاب رادع للمخالفين بما يضمن خدمة آدمية للمواطن فى شوارع بلده.. لم يحدث هذا، بكل أسف، وأصبحت العلاقة بين السائق، وبين الزبائن، علاقة حرة، يحسمها كل طرف بطريقته.. وعلى حساب القانون، وكل الأعراف والأخلاق العامة!
وإذا لم يكن المرور حاضرًا، كما يجب، منذ اليوم، فإننى أخشى أن يدرك سيارات «أوبر» ما كان قد أدرك التاكسى الأسود ثم الأبيض من قبل.. ذلك أننا لا يمكن أن نراهن فقط، على رغبة سيارات «أوبر» فى تقديم خدمة جيدة، وفى تحقيق مكسب معقول ومقبول، ولكن الرهان فى كل الأحوال، لابد أن يكون على قانون يحكم ويحسم!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف