التحرير
أشرف الصباغ
حول تلاعب موسكو وواشنطن بإيران أو العكس
لا تزال إيران تشكل حجر عثرة أمام حل العديد من الأزمات والملفات العالقة في المنطقة. ربما لأنها دولة لديها طموحات وترغب في تحقيق مصالحها إقليميا ودوليا، وربما لأنها في مأزق بسبب عزلة ما يقرب من نصف قرن، وربما أيضا بسبب شعورها بأنها "ورقة رابحة" لدى كل من موسكو وواشنطن، وبالتالي تسمح لهما باستغلالها مقابل تحقيق مصالح معينة تمهيدا لإعلان نفسها في ما بعد كلاعب "مستقل" على غرار تركيا. وربما لكل هذه الأسباب مجتمعة.

العلاقات بين السعودية وإيران تتخذ منحى طائفيا تارة، ومنحى عرقيا تارة أخرى. ومع ذلك، ينظر الخبراء إلى الصراع السعودي – الإيراني على أنه بعيد تماما عن المنحيين الطائفي والعرقي. وكل ما هناك أن الطرفين يتلاعبان بهاتين الورقتين للتغطية على طموحات سياسية، ومشاكل داخلية. وبالتالي من الصعب أن تلعب الوساطات دورا ملموسا ين الرياض وطهران، ومن الأصعب أن تسفر الموائد المستديرة واللقاءات في عواصم غربية عن أي نتائج.

في مقابلة مع وزير الخارجية المصري والأمين العام للجامعة العربية السابق عمرو موسى في موسكو، في نهاية أكتوبر عام 2015 ، قال موسى إن لقاء حول مائدة بين السعودية وإيران لن يعالج الموقف، إنما يفتح نافذة، من الممكن أن تؤدي إلى نوع من الحوار، ومن ثم التقارب. وفي الوقت نفسه اعتبر أن اجتماع الطرفين لساعة أو اثنتين وكأن شيئا لم يكن، شكلا من أشكال الإغراق في السطحية السياسية.

لدى عمرو موسى كسياسي من الوزن الثقيل، كما تعتبره الأوساط السياسية والدبلوماسية العرية والأجنبية، رؤية مهمة بشأن العلاقات العربية – الإيرانية، يمكن تأصيلها كلآتي:

١-لا جدال في أن إيران دولة تقع في الشرق الأوسط. وهي دولة كبيرة ومحترمة ولها معنا (نحن العرب) علاقات قديمة جدا منها المتوترة ومنها الإيجابية، وتاريخ طويل من العلاقات، الأمر الذي يجعل من الواجب متابعة العلاقات العربية - الإيرانية متابعة دقيقة وبعناية فائقة.

٢-من المفروض أن يخلق هذا الأمر جوا يمكننا نحن وهم من التعايش معا.

٣-ولكن هناك تصرفات وسياسات إيرانية لا تطمئن الكثير من العرب، منها السياسة في البحرين، واحتلال الجزر الإماراتية، وعدم القبول بالمبادرة العربية بشأن النزاع العربي الإسرائيلي، والموقف في اليمن، والكلام الذي قيل "نحن أصحاب نفوذ في صنعاء"، الذي قاله أحد المسؤولين الإيرانيين، ما يعني أنهم مسؤولون عما يجري في اليمن، وعن دعم الحوثيين وغيرهم، وتحدي المملكة العربية السعودية في حدودها الجنوبية.

كل هذا بالإضافة إلى ما يجري في سوريا، يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات أكثر. ويجب الانتباه هنا إلي أن استمرار مثل هذه السياسات، من جانب إيران، لن يؤدي إلى تقدم بل يؤدي إلى اضطراب في العلاقات الإيرانية العربية، وليس من السهل السيطرة على العرب.

وفقا لعمرو موسى، فإنه ليس من السهل القيام بدور إقليمي. فإيران أو تركيا تقولان "نحن نستطيع أن نوجه ونقود الشرق الأوسط"، ولكن هذا مستحيل، لأن الشرق الأوسط معظمه عربي، والعرب لن تقودهم لا أنقرة ولا طهران، وإنما يستطيعوان التعايش وتحقيق الفوائد المشتركة والتعبير القوي عن الصداقة مع أنقرة ومع طهران، إذا نظرت العاصمتان من زوايا مختلفة.

وعند التطرق إلى التقارير والانطباعات التي تتحدث عن أن هناك رغبة من جانب كل من موسكو وواشنطن لدمج إيران في ملفات المنطقة، ووجود أهداف وإن كانت مختلفة للطرفين من استخدام الورقة الإيرانية، رأي عمرو موسى أن الدولتين (إيران وتركيا) موجودتان أصلا في المنطقة، ولم يتم استيرادهما من خارجها. وحتى عندما حاول إردوغان أن يقول "إن تركيا أوروبية" ومن ثم ربطها بأوروبا، لم تنجح محاولاته ومساعيه.

الدولتان في المنطقة، سواء تم دمجهما أو لم يتم. وبالتالي، فالمسألة هنا هي كيف يمكن التعايش بين السياسات المختلفة والمصالح المختلفة وربما الأطماع المختلفة. ولكن فكرة البعض بأن تحقيق أطماع وطموحات على حساب العرب لأنهم ضعفاء، أو باعتبارهم ضعفاء حاليا، أدى إلى رد الفعل العنيف للمملكة العربية السعودية وحلفائها، ومنهم مصر، في موضوع اليمن، لأنه كان تحديا واضحا في أن العرب ضعفوا فخذوا منهم ما تقدروا عليه، وها نحن نرى النتائج. ونرى أيضا النتيجة في سوريا. وللعلم، لن تستطيع إيران وحدها أبدا أن تحل المشكلة في سوريا، يعني ليس هناك حل إيراني لسوريا، ولن يكون، ولكن الحل يجب أن يكون إقليميا.

إن رؤية عمرو موسى تتلخص بأن المسألة لا تكمن في دمج إيران أو تركيا من عدمه، لأنهما موجدتان بالفعل في المنطقة، ولكنها تكمن في عملية دمج الملفات. فالملف الخاص بسوريا، حسب رؤية عمرو موسى، لا يمكن حله بدون أن تتعاون إيران في الحل.

وموضوع اليمن في العلاقة مع الحوثيين أيضا. وهذه الملفات عبارة عن مشاكل وأزمات. وبالتالي، فالسؤال هنا هو: هل يمكن لإيران أن تندمج في ملفات إيجابية للتعاون والتقدم والتنمية؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف