محمد جبريل
ع البحري -شُقَق للأحفاد!!
إذا زُرت مدينة أو ضاحية حديثة. فلابد أنك شاهدت عشرات البيوت. ومئات الشقق الخالية. تم تشطيبها معدة لاستقبال السكان. لكنها تقتصر علي سُكْنَي الفراغ والريح. والحارس الذي يمضغ الملل. تسأل عن ظروف التمليك أو الإيجار. فتفاجئك الإجابة بأن كل الوحدات اشتُريَت. أو تم تأجيرها. لكنها تنتظر قدوم الأبناء. والأحفاد!!
مع أن التمليك في حد ذاته ينطوي علي فكرة قد تكون جيدة. باعتبار أن طبيعة الإنسان تميل إلي التملُك. والإنسان المصري بالذات يفضل ـ لو أسعفته قدراته المادية ـ أن يمتلك البيت الذي يقيم فيه.. فإن التمليك قد أفرز ـ في الحياة المصرية ـ عشرات السلبيات. ومنها الكلفتة في عمليات البناء. فالمواد مغشوشة. والتشطيب سلق بيض. والهدف بيع البناية بأسعار خيالية. ليبدأ في تشييد بناية ثانية. وهكذا.. واللافت أن غالبية العقارات المنهارة في المدن الكبري حديثة البناء. وثمة عمارات سقطت قبل أن يكتمل بناؤها!!.. المهم أن يقبض المقاول ومهندس الحي. أما السكان. فنحن نطمئن إلي المثل: ماحدش بيموت ناقص عمر!!
ألِفَ الباحثون عن سكن في الستينيات وأوائل السبعينيات ـ شاهد أفلام السينما التي تناولت تلك الفترة ـ لافتة شقة للإيجار. ثم جاء الانفتاح بسداحه ومداحه. ورياحه وزعابيبه. وانعكست التأثيرات بالسلب علي كل شيء.
لافتة "شقة للإيجار" التي ألفناها في أعوام ماضية. أصبحت ذكري جميلة. الظاهرة الجديدة تطالعنا في آلاف النوافذ والشرفات التي تشي بخلو بنايات كاملة من السكان. تحولت العقارات إلي استثمارات تنافس وتزايد. وتبتز أحياناً. وتحيل سوق العقارات إلي فوضي. بالإضافة إلي تصور البعض أن التمليك يهبه الحق في أن يفعل ما يشاء في الشقة التي يملكها. يضيف ويحذف بما يمنعه قانون الإيجارات. وتتحول طوابق البناية إلي كرنفال مشوه. يعكس عدم الوعي بمعني الملكية.
أما المواطن العادي الذي يشقيه البحث عن الإيجار. أو حتي التمليك الذي لا يقطم وسطه. فإنه يواجه المستحيل في الأرقام المرتفعة. التي ربما فاقت مرتبه. وتتملكه مشاعر الاستياء والحسرة والغضب وهو يقرأ الإعلانات المستفزة في الصحف ووسائل الإعلام. تحدد مقدم الشقة بمئات الألوف. والباقي أقساط!!
لا أدعو إلي إلغاء القوانين ولا تعديلها. إنما أدعو إلي قيام مئات اللجان والروابط والجمعيات التي تكونت لتحقيق إنسانية الإنسان ـ قبل ثورة 25 يناير وبعدها ـ بالتحرك الفعال والإيجابي. ولو لمحاولة الإجابة عن السؤال: لماذا يفضل البعض ترك بنايات كاملة دون أن يفكر في شغلها. بينما مئات الألوف من المواطنين وضعوا أصابعهم في الشق من إمكان العثور علي مأوي؟!!