مؤمن الهباء
شهادة -التطرف .. والتطرف المضاد
بالحدة والغضب استقبل شعب الفيس بوك اقتراح المستشار أحمد الزند. وزير العدل الذي أعلنه أثناء وجوده بالكويت الأسبوع الماضي.. حيث قال إنه يفكر في إصدار تشريع ملحق لقانون الإرهاب يعاقب والدي الإرهابيين. الأب أو الأم. أو متولي التربية. الذين يتركون أبناءهم يهاجرون ويتغيبون عن محل إقامتهم بالأشهر أو بالسنوات. ويقولون إنهم لا يعرفون عنهم شيئاً. وذلك لأن هؤلاء الآباء مجرمون سلبيون.
جاء رد فعل شعب الفيس بوك عنيفاً متشدداً.. لعل أقله حدة أن ما يقترحه وزير العدل يتناقض تماماً مع القانون والدستور. ومفهوم العدالة الذي يقر بأن المسئولية الجنائية شخصية.. الجريمة شخصية. والعقوبة شخصية.. ولا يمكن أن يعاقب أب أو أم علي جريمة ارتكبها أي من أبنائهما.. ومن شأن هذا الاقتراح أن يضع مصر إلي جانب إسرائيل التي تنفرد عالمياً بتطبيق مبدأ العقاب الجماعي علي الفلسطينيين. ويسبب لبلدنا حرجاً شديداً.. ناهيك عن أن الاقتراح يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية التي أرساها القرآن الكريم في قول اللَّه تعالي: "ولا تزر وازرة وزر أخري. وأن ليس للإنسان إلا ما سعي. وأن سعيه سوف يُري. ثم يجزاه الجزاء الأوفي".. وقوله تعالي: "كل نفس بما كسبت رهينة".
الحقيقة أننا عانينا كثيراً. ومازلنا نعاني من التطرف والمتطرفين.. ولا يصح أبداً أن يدفع هذا التطرف الدولة إلي اتخاذ مواقف متطرفة هي الأخري.. أو تضع قوانين متطرفة. وغير دستورية.. يجب أن تتميز مواقف الدولة وتصريحاتها واقتراحاتها بالمسئولية والرصانة.. وليس متصوراً أن يفكر رجل الدولة بالطريقة التي يفكر بها صاحب الثأر في الصعيد.. دولة القانون تختلف تماماً عن دولة الثأر.
كان المستشار الزند قد أثار اعتراضات واسعة تجاوزت حدود الوطن. عندما أعلن أنه لن يستريح إلا إذا كان أمام كل ضابط شرطة يقتل 10 آلاف من جماعة الإخوان.. حيث اعتبر ذلك التصريح دعوة عامة للقتل العشوائي. خارج نطاق القانون. وبعيداً عن يد العدالة.
كما دخل في صدام مباشر مع قُضاة مجلس الدولة بشأن تعديل قانون الإجراءات الجنائية. لجعل أمر الاستماع للشهود جوازياً. ومرتبطاً بإرادة القاضي. وليس وجوبياً. كما هو الآن.. وقد اضطر مجلس الدولة إلي إصدار بيان شديد اللهجة. اعتبر فيه تصريحات المستشار الزند في هذا الشأن "تدخلاً صارخاً في أعمال جهة قضائية مستقلة".
وتحتفظ الذاكرة الشعبية ـ الفيسبوكية خصوصاً ـ بتصريحات عديدة للمستشار الزند. مثيرة للجدل والغضب.. وتنحو كثيراً إلي التطرف.. وبالذات عند دفاعه المستميت عن توريث القُضاة لأبنائهم.. حيث أعلن بوضوح وحسم: "سيستمر تعيين أبناء القُضاة سنة بسنة.. ولن تكون هناك قوة في مصر تستطيع وقف هذا الزحف المقدس".. وسبق له أن دعا أعضاء نادي القُضاة لتحرير توكيلات للمستشار القانوني للنادي من أجل رفع دعاوي قضائية تطلب تعيين أبناء القُضاة الحاصلين علي تقدير "مقبول" للعمل في القضاء.. وتفسير ذلك أن "مقبول « بيئة قضائية ½ جيد جداً".. أي أن الابن الذي تربي في بيت قضائي "بيئة قضائية" يجب أن يحصل علي ميزة ترفع له درجته العلمية لكي يتفوق علي أقرانه ممن لم يسعدهم الحظ بالنشأة في بيت قضائي.
نحن نحترم القُضاة ونُجلهم.. ونضعهم فوق الرءوس.. ولكن النظرة المتطرفة التي تجعل من هؤلاء القُضاة أسياداً. وغيرهم العبيد. تُهدر كل المبادئ حول المساواة. وتكافؤ الفرص. والحق والعدل والقانون.. وتخلق حالة احتقان شعبي غير مقبولة.. وضارة بالوطن وبالقُضاة. وبمنظومة العدالة.
التطرف مرفوض في كل اتجاه.. والاستعلاء مرفوض.. ولن تستقر مصر وتتقدم. ويعلو شأنها إلا بدولة القانون.