أعرف أنه ما زال أمامى الكثير لأفهم كيف تدار هذه الدنيا، وكيف تكون السياسة ودهاليزها، ولكن سنوات عمرى التى قاربت على الأربعين قد وضعت فى ذهنى ثوابت لن يستطيع أحد تغييرها مهما حاول، ولن أقتنع بالعكس مهما حاولت أنا!
الثابت أن الأوانى الفارغة تحدث ضجيجاً أكثر بكثير مما تحدثه الأوانى الممتلئة، يبدو أن القدر قد قرر أن يثبت ذلك المثل يوماً بعد يوم، وبرلماننا الموقر قد قرر هو الآخر أن يثبت أنه خير تطبيق لهذا الشأن! يعرف الكثيرون أن البرلمان لم يكن مثالياً منذ البداية، ربما منذ اللحظة الأولى التى بدأ الشارع يتعرف على وجوه المرشحين له، فقد كنا نعرف منذ الوهلة الأولى أنه مزيج من وجوه الوطنى القديمة الكالحة، ومحدثى السياسة الذين استظلوا بمظلات حزبية وائتلافية هشة، ولهذا فلم ينتظر أحد منه أن يقدم الكثير، المشكلة أنه المجلس النيابى الأقوى فى تاريخ البلاد، فالصلاحيات التى يمتلكها تفوق أى صلاحيات أتيحت لمجلس سابق!! والذى كان تشكيله اكتمالاً لخارطة الطريق، وإتماماً للشكل الديمقراطى السليم الذى كنا ننتظره، والكارثة أنه الأضعف والأكثر إثارة للجدل أيضاً بكل ما فجره من أزمات معظمها كان إعلامياً حتى الآن! يبدو أن قرار منع بث الجلسات كان سليماً للغاية، وإلا كانت جلساته ستنافس البرامج الكوميدية المتعددة التى تقدمها القنوات فى نسب المشاهدة!
فمن نائب يقسم «بالطلاق» ألا يقسم القسم الدستورى فى أولى جلساته، ثم يحنث بقسمه فى دقائق بعدها، إلى آخر يطلب زيادة بدل الحضور للجلسات، الذى يدفعه المواطن من ضرائبه، لثالث يطلب من زميلاته الاحتشام فى كلمة رسمية تحت القبة الموقرة!! فلا نلبث أن تنتهى تلك المهاترات حتى نجد طلباً من «نائب الطلاق» الأول بإيقاف برنامج تليفزيونى لخلاف شخصى مع مقدمه! بل ويهدد أحد الأعضاء الذين انتقدوا طلبه الغريب!! حتى نأتى للنائب الأكثر إثارة للجدل، الذى قام باستضافة السفير الإسرائيلى فى منزله لثلاث ساعات كاملة! الأمر الأخير تحديداً يجب ألا يمر مرور الكرام، فبصرف النظر عن الجدل الذى ثار حول تلك الواقعة واتهامات العمالة والتخوين، وحتى قرار المجلس بإسقاط العضوية عن ذلك العضو، فتساؤلات عديدة دارت بخاطر الكثيرين حول هذا التصرف، وإجابات أكثر ننتظرها فى الأيام المقبلة! المشكلة أننى بحثت عما أنجزه المجلس الموقر منذ انعقاده فلم أجد شيئاً، أنا لا أتحدث عن حزمة القوانين التى صدرت فى العام السابق، والتى كان المجلس مضطراً لإقرارها فى مدة زمنية قصيرة فى بداية انعقاده، ولا عن قانون الخدمة المدنية الجديد، الذى رفضه الأعضاء بضغط شعبى فقط، أذكر أننى تحاورت مع أحد أعضاء المجلس الموقر الذين رفضوا ذلك القانون تحديداً فوجدته يخبرنى أنه مقتنع به للغاية، ولكنه آثر الرفض اتقاءً لغضب الشارع فقط!! فضلاً عن أنه أكد لى أن بعض الأعضاء لم يقرأوه من الأساس!! الأمر أصبح غريباً والمجلس ناقش قضاياه الشخصية ومشاكل أعضائه مع خصومهم أكثر من مناقشته للقضايا العامة، أعتقد أننا قد نقرر قريباً أن نتركه يحل مشاكله كيفما يشاء وننتخب مجلساً جديداً للتعبير وخدمة المواطن العادى!! ربما كانت أخبار المجلس مسلية للبعض، وسبيلاً للتندر وإزجاء الوقت للبعض الآخر، إلا أننى أعتقد أن المشهد كئيب أكثر من كونه مثيراً للسخرية! والبرلمان يضيع وقتاً كثيراً فى الانشغال بأمور أقل ما يقال عنها إنها «تافهة»!!
السادة أعضاء المجلس.. يجب أن تدركوا أن مجلسكم يحمل كل وقار الدولة، وهيبة الوطن، وأعضاؤه ينبغى أن يحترموا أصوات من انتخبوهم ويوقروا منزلهم وموقعهم فى خريطة الحكم والتشريع! فلتحرصوا على ما تبقى من سمعة لهذا المجلس، ولتتقوا الله فينا، وفى الوطن!.. لقد هرمنا!