كان اسمه محمد.. باقى الاسم سنعرفه بعد قليل، لكن هكذا كانوا ينادونه فى (الكُتّاب) الذى تعلم فيه فى قرية سبرباى إحدى ضواحى مدينة طنطا. كان أبوه هو القائمقام (رتبة عقيد حالياً) قائد بلوكات الطلبة فى الكلية الحربية، وكان محمد متفوقاً فى دراسته، فحصل على الثانوية العامة، ثم قرر تحت ضغط وإلحاح من الأسرة أن يلتحق بكلية الطب، حيث كان أمل والده أن ينادى بـ(أبو الدكتور).
كان اسمه محمد عبدالمنعم، ولم يستطع استكمال دراسته فى الطب. شىء ما جعله يمل الطب رغم عامين قضاهما وتفوق فيهما، لكنه كان متعلقاً بالكلية التى ينتسب لها والده، وهكذا دخل محمد عبدالمنعم الكلية الحربية، وتخرج فيها فى العام 1938، وكان الأول على دفعته فى ماجستير العلوم العسكرية فى العام 1944، ليُتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة بعدها فى إنجلترا بتقدير ممتاز، ويصبح حديث أقرانه، لا سيما وهو الضابط الذى يتقن الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية بطلاقة.
اسمه محمد عبدالمنعم محمد، وبعد التخرج مباشرة يُلحَق بسلاح المدفعية، ويجد نفسه يخدم فى إحدى البطاريات المضادة للطائرات فى المنطقة الغربية، حيث اشترك فى الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا وإيطاليا. وخلال العامين 1947، و1948 كان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان فى فلسطين، ومُنح وسام الجدارة الذهبى لقدراته العسكرية التى ظهرت آنذاك. فيما بعد سيبلى بلاءً حسناً فى كل المهام التى يكلف بها، والمناصب العسكرية التى يتولاها والتى لا يتعامل معها كمنصب، بل كمهمة يجب أن ينجزها من أجل وطنه، وفى أبريل 1958 يسافر فى بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفيتى (آنذاك)، لإتمام دورة تكتيكية تعبوية فى الأكاديمية العسكرية العليا، وأتمها فى عام 1959 بتقدير امتياز ليلقب هناك بالجنرال الذهبى.
قبل أن يصبح رئيس أركان سلاح المدفعية.
اسمه محمد عبدالمنعم محمد رياض، وها هو الآن يصبح رئيس أركان القيادة العربية الموحدة فى العام 1964، ثم يرقى لرتبة (فريق) فى العام 1966، وهو يحظى بمحبة الجنود والضباط الذين صاروا يحفظون اسمه بعد أن اختصروه ليصير: الفريق عبدالمنعم رياض..
بعد أن يعين رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة فى مهمة ثقيلة عقب نكسة 67، يقول الفريق عبدالمنعم رياض: «لن نستطيع أن نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة.. عندما أقول شرف البلد، فلا أعنى التجريد وإنما أعنى شرف كل فرد.. شرف كل رجل وكل امرأة». ويؤكد على طبيعة موقعه حين يقول: «إذا حاربنا حرب القادة فى المكاتب بالقاهرة فالهزيمة تصبح لنا محققة.. إن مكان القادة الصحيح هو وسط جنودهم وفى مقدمة الصفوف الأمامية».، ويعمل على مؤازرة جنوده فيقول: «اهتم بشئون جنودك ومشاعرهم». ويعلم الرجل أن النصر ليس بالأمنيات والدعاء بل بالاستعداد فيقول: «إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافى للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك فى النصر الذى وعدنا الله إياه».
كان عبدالمنعم رياض مثالاً للضابط المثقف والمحب للعلم وللتعلم، وانتسب لكلية العلوم، ثم لكلية التجارة، ولم يُعِقه ذلك عن أداء أدواره الحيوية، ولا عن النظر للمستقبل بحسابات السياسة، فيتنبأ ويقول: «إن بترول أمريكا سوف يبدأ فى النفاد وستتوق إلى بترول العراق خلال 30 عام تقريباً». صمم عبدالمنعم رياض الخطة (200) الحربية التى كانت الأصل فى الخطة (جرانيت) التى طُورت بعد ذلك لتصبح خطة العمليات فى حرب أكتوبر تحت مسمى (بدر)، كما أشرف على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف، وفى أثناء حرب الاستنزاف، وبعد معركة عنيفة بطول الجبهة، يذهب عبدالمنعم رياض لميدان المعركة فى اليوم التالى مباشرة، يقترب حتى مسافة 250 متراً من مرمى نيران العدو ليشارك جنوده قصف المواقع الإسرائيلية، لكن شظية تصيبه إصابة مميتة فيستشهد وسط جنوده وضباطه فى قلب ميدان المعركة. يبكيه جميع من عرفه، ينعيه جمال عبدالناصر، يصبح يوم 9 مارس من كل عام هو يوم الشهيد نسبة له، ونتفنن نحن فى نسيان أبطالنا فلا يتبقى منهم سوى ميدان وكام مدرسة، وبدلاً من صناعة فيلم سينمائى عن هذا البطل وأقرانه تقدم الشئون المعنوية إنتاجاً ركيكاً بين الحين والآخر مثل فيلمهم الأخير عن (الشهيد) الذى يتعاملون معه كهيكل عظمى ويقدمون الفيلم بطريقة بدائية ضحلة تسحب من قيمته وتنتقص من رسالته.
عبدالمنعم رياض وأبطالنا يستحقون التخليد، وحكى قصصهم لأطفالنا، لأن الهزيمة تبدأ بأن ننسى، ونحن لن ننسى، لا أبطالنا، ولا شهداءنا، ولا العدو الذى سيظل عدواً.. يقول عبدالمنعم رياض: «القادة يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة. وما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم، والقائد الذى يقود هو الذى يملك القدرة على إصدار القرار فى الوقت المناسب وليس مجرد القائد الذى يملك سلطة إصدار القرار».
رحم الله (الشهيد) عبدالمنعم رياض.