يعتبر الإيمان سلاحًا قويًّا في يد صاحبه يعصمه من الزلل ويجعله يصمد عند الشدائد، حيث يعاني المواطن المصري في خضم الحياة التي نعيشها، إذ يواجه المرء صعوبات جمةمن أبرزها: أزمة الاستهلاك، وارتفاع الأسعار، وضيق ذات اليد، وكثرة المتطلبات مع ضَعْف معدلات الدخل وقلة فرص العمل وانتشار البطالة وارتفاع نسبة تسريح العمالة هنا وهناك، وهناك الكثير من الأسر لا تجد قوت يومها، وخاصة في رحاب عصر الرأسمالية الطبقية التي يزيد الغني غنى وتزيد الفقير فقرًا، فالفيصل الذي يحمينا من هذه المصاعب هو التمسك بالأخلاق الإسلامية السليمة والعكوف على القيم الرشيدة التي علمنا إياها ديننا الإسلامي الحنيف، وابتعاث قيم التكافل الاجتماعي من جديد فلا نجاة لنا، ولا فلاح، بغير قيم هذا الدين فهو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
فمِنْ فضل الله علينا –نحن المسلمين- أن ديننا وضع لنا نظامًا وسطيًّا يحمينا من بطش الأزمات، ويعيننا على مواجهتها والتصدي لها، وينهانا أن نقف مكتوفي الأيدي تجاه تلك الأزمات... سواء كانت تلك الأزمات لدينا أو أحد من المسلمين مصداقا لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع...".
فالمنهج الإسلامي القائم على الإيمان بالله، ووحدانيته، وتنزيهه، وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة هو وحده الذي يضمن للبشر أن يواجهوا ويتخلصوا مما يطرأ على حياتهم من أزمات ومشاكل، ويتصدوا لها بأقوى سلاح ألا وهو السلاح العقدي، فهذا المنهج هو الوسطية التي لا إفراط فيها، ولا تفريط، ولا غلو، ولا تقصير.
ووسطية أهل الإسلام المستقيمين على هديه تبدو في الاعتدال والتوازن بين مطالب الدنيا والنظرة إليها، ومطالب الآخرة والعمل لها، والأخذ بالأسباب المؤدية إلى ذلك دون إفراط أو تفريط، ودون إسراف أو تقتير، ودون الارتكان إلى هذه الأسباب أو إهمالها، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77].
يقول الإمام العلامة ابن كثير –رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية: "أي استعمل ما وهبك اللـه من هذا المال الجزيل، والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات.. ولا تنس نصيبك من الدنيا، أي مما أباح اللـه لك فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمناكح، فإن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا".
فالإسلام وسط بين مَن غالوا في أمور الدنيا ولم يهتموا بالآخرة، وبين من غالوا في أمور الآخرة، ونظروا إلى الدنيا نظرة ازدراء وابتعاد واحتقار.
وما يعانيه الناس اليوم من غلاء وارتفاع في الأسعار وكثرة للمطلوبات مع قلة الدخول كل هذا يلقي بعبئه على كاهل الإنسان ويثقله بالكثير من الهموم التي تكاد تهوي بإيمانه وتزعزع رضاه بما قسمه الله له، وبنظرة ثاقبة فاحصة نلاحظ أن البعد عن الأخلاق الحسنة وإهمال تعاليم الإسلام هو من أسباب نزع البركة وكثرة الشكوى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 124].
وروى الترمذي بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الناس يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني في دم ولا مال".
ولم يسعر رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس ليوضح لهم أنه بقدر إيمانهم وقربهم من الله ترتفع الأسعار أو تنخفض وتنزع البركة أو تبقى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 69].
قال ابن قدامة في المغني: "قال بعض أصحابنا: التسعير سبب الغلاء؛ لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعهم بلداً يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون، ومن عنده البضاعة يمتنع من بيعها ويكتمها، ويطلبها أهل الحاجة إليها فلا يجدونها إلا قليلاً، فيرفعون في ثمنها ليصلوا إليها فتغلو الأسعار ويحصل الإضرار بالجانبين: جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم، وجانب المشتري من الوصول إلى غرضه فيكون حراماً".