كما هو معتاد تبدأ رحلة العذاب اليومي بالذهاب إلي جريدتي صباحا بسبب الزحام المروري دون معرفة سبب جوهري لهذا التكدس ، خاصة وتوقيت ذهابي في العاشرة صباحا بعد توقيت بداية دوام العمل الحكومي بساعتين والقطاع الخاص بساعة ولكنه قدر لا فكاك منه في القريب العاجل ، وبعد قرب الصراع اليومي وقبل الوصول بأمتار في الحادية عشر ونصف ، رن تليفوني علي صوت زميلي عندي خبر حزين توفي يحيي وصلاة الجنازة بمسجد النور بعد الظهر.
يا هاني معلش الخط أنقطع مين يحيي اللي مات ، يا جدع اللي كان معنا بالأمس قاعد في الأتوبيس اللي بيقل الصحفيين لتغطية تدشين وزير الصناعة لخط تصنيع مباشر لتصدير ٦٠ أوتوبيس بطابقين لأول مرة إلي بريطانيا بالمنطقة الصناعية في الصالحية الجديدة ، هذا المنتج الذي يعد شهادة ثقة للصناعة المصرية من الأسواق الخارجية بجودة المنتج المصري ومطابقته لأعلي معايير المواصفات الدولية وقدرته علي منافسة مثيله المستورد، ربنا يكرمك جاي الجنازة فنظرت حولي وأنا وسط زحام الشوارع فكيف أصل من الأسعاف إلي ميدان العباسية حيث مسجد النور وباقي ربع ساعة فقط علي صلاة الظهر ثم الجنازة، وعقلي منشغل مين المرحوم يحيي اللي كان معي وكان هناك كثير من الصحفيين الشباب من جرائد ومواقع متعددة لا أعرف أحد إسمه يحيي ولكن كعادتي أعشق صلاة الجنازة لعل يكون في ميزان حسناتي يوم لا ينفع الإنسان إلا ما سعي .
قررت أن أترك سيارتي وأركب المترو فهو رحمة من زحام الشوارع وأسرع وسيلة للوصول خاصة الاسعاف ثم رمسيس ثم العباسية قمة التكدس خاصة في ساعة الذروة في هذه الشوارع ٢٤ ساعة فقط يوميًا ، وجريت ونزلت محطة الأسعاف للشهداء " رمسيس" ثم الخط الثاني الجيزة المرج ونزلت العتبة وركبت الخط الثالث ونزلت العباسية والحقت صلاة الجنازة ، وفؤجئت بصف المصلين يستعد للصلاة الجنازة أنهم أهل حبيبي وصديقي الخلوق يحيي خيري بالمكتب الإعلامي لوزير الصناعة والتجارة وزملاءه الأحباب من الوزارة والصحفيين ، فأنهارت باكياً علي هذا الإنسان في مقتبل الأربعينات من عمره أشتكي منذ أيام من برد شديد دخل علي أثره مستشفي ألتهاب علي الصدر عدم قدرة علي التنفس دخل العناية المركزة علي جهاز تنفس وسط دعوات متوسلة من أم عجوز حلمها رؤيته بخير وزوجة باكية علي حالته المتدهورة سريعا وزيارات متواصلة من كل من عرفه يوماً محباً لعمله مخلصاً في تلبية طلبات لا تنتهي من الصحفيين لمعرفة الأخبار طلعة كل صباح وتأكيده علي وصول الإيميل بالشغل لكل صحفي ، وكانت لا تفارقه إبتسامة القلب الأبيض وتلبية إي رغبات لزميل في معلومة أو موعد للقاء وزير أو تليفون مصدر فينقب حتي يصل إليه ويعطيه الزميل بطيب خاطر ، أه يا يحيي الذي أعرفه ولن أنساه يوماً فكنت نعم الصديق وكنت أتمني أن تدوم لوقت أطول ولكن لا راد لقضاء الله ، فلا نعرف قدر أي شئ إلا بعد فراقه .. وداعاً صديقي ولكنك ذكري دايما في قلبي وعقلي إلي أن يجمعنا الله في رحمته ، حقاً لا يبقي للإنسان سوي سيرته بين الناس وعمله في قبره.