الوفد
د. اكرام بدر الدين
مصر تتجه نحو القارة الآسيوية
قام السيد الرئيس خلال الأيام القليلة الماضية بزيارة هامة للقارة الآسيوية شملت ثلاث دول وهي كازخستان، واليابان، وكوريا الجنوبية، ويمكن القول إن لهذه الزيارة مردوداً مهماً وآثاراً إيجابية متعددة ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى الملاحظات الأساسية التالية:-
أولا: إن النظرة الصحيحة إلى هذه الزيارة هي أنها تعكس التغيرات الهامة التي شهدتها السياسة الخارجية المصرية في الآونة الأخيرة، و بحيث أصبحت أكثر توازنا وأكثر مرونة واستقلالية فبعد عدة عقود من الزمان كان العالم بالنسبة لمصر يبدو وكما لو كان متركزا في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوربا الغربية فقط، أصبحت مصر أكثر انفتاحا على العالم وتهتم بدول ومناطق وقارات مختلفة حيث اهتمت مصر بالقارة الآسيوية والتي تتواجد فيها روسيا، والصين واليابان، والهند، ودول النمور الآسيوية، و هو ما يعرف بسياسة التوجه نحو الشرق اضافة إلى التوجه نحو الجنوب أي نحو القارة الأفريقية والتوجه نحو المنطقة العربية، بالإضافة إلى استمرارية الاهتمام بالعلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة، وأوربا الغربية مما يعني اضفاء المرونة والاستقلالية على السياسة الخارجية المصرية، وخصوصا أن هذه الجولة الآسيوية ليست الأولى من نوعها.
ثانيا: إن هذه الزيارة تعكس وتعبر عن دبلوماسية القمة وهي أحد الأشكال الحديثة نسبيا من الدبلوماسية و يقصد بها دبلوماسية القادة وزعماء الدول والتي تختلف عن الدبلوماسية التقليدية في تزايد القدرة على التوصل إلى قرارات سريعة في فترة زمنية قصيرة نسبيا، كما تأتي الزيارة في فترة لها دلالة هامة من حيث التوقيت، حيث جاءت عقب استكمال مصر لمؤسساتها السياسية وتكوين مجلس النواب أي المجلس التشريعي والذي كان غائبا عن المسرح السياسي لمدة ثلاث سنوات، كما جاءت الزيارة أيضا عقب وضع استراتيجية مصر خلال عقد ونصف من الزمان وهي استراتيجية 2030 مما يجعل من هذه الزيارة بداية للتنفيذ العملي لهذه الاستراتيجية، ومحاولة لتدعيم مظاهر التعاون المشترك بين مصر وهذه الدول الآسيوية وبما يعود بالنفع المتبادل على مختلف الأطراف .
ثالثا: إن أهمية هذه الزيارة أنها تتعدد فيها أبعاد ومجالات التعاون سواء السياسية، أو الاقتصادية أو الفكرية والثقافية ومجال التعليم، حيث بحثت فيها قضايا التعاون الثنائي بين مصر وكل دولة من هذه الدول، كما تناولت الزيارة أيضا القضايا ذات الاهتمام المشترك سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في القارة الآسيوية، وتم التركيز بصفة أساسية على قضايا الاقتصاد والتعليم إضافة إلى القضايا السياسية، فمصر تقدم فرصا واعدة للاستثمار وللمستثمرين من تلك الدول في مختلف المجالات مثل المشروعات القومية الهامة ومنها تنمية محور قناة السويس، و مشروعات استصلاح الأراضي الزراعية ومشروعات الطاقة والكهرباء والبترول والتعاون في مجال البنية التحتية، والاستغلال السلمي للطاقة النووية، واجتذاب السياحة من تلك الدول، كما أن مصر بالنسبة لتلك الدول تعتبر مدخلا للقارة الأفريقية، وبحيث يمكن لتلك الدول ترويج صادراتها السلعية والتكنولوجية في الأسواق الإفريقية وبما يحقق الفوائد المتبادلة لمختلف الأطراف.
رابعا: إن السياسة الخارجية لأي دولة تكون ناجحة بقدر ما تنعكس إيجابا على الداخل وبقدر ما تحقق مصالح الدولة وأمنها القومي، ولذلك فإن أهمية هذه الزيارة هي فيما تقدمه تلك الدول من نماذج للتنمية الناجحة والمتواصلة رغم ما كانت تعاني منه من مشاكل وصعوبات مما يعطينا الأمل في إمكانية تحقيق التنمية رغم ما نعاني منه من صعوبات، فقد خرجت اليابان في أسوأ الأوضاع عقب الحرب العالمية الثانية، واستطاعت رغم فقرها في الموارد الطبيعية أن تحقق نموذجا في التنمية استحوذ على إعجاب العالم ككل، كما تمكنت كوريا أيضا من تحقيق نموذج في التنمية السريعة والمتكاملة، وربما كانت كلمة السر في هذه التنمية هي العنصر البشري وإعداده الإعداد الجيد من حيث التعليم، والتدريب، وتنمية القدرات، ويرتبط ذلك كله بنظام متميز من التعليم يعتمد على المناهج المتطورة، والاهتمام بالتدريب وغرس قيم التعاون والعمل الجماعي وتنمية القدرة على التفكير الخلاق والحلول غير التقليدية للمشكلات، وهذا ما تحتاجه مصر أيضا وهو استغلال جيد للعنصر المتوافر لديها وهو العنصر البشري وإعداده جيدا من خلال نظام للتعليم يركز على الجودة، وعلى عنصر الكيف أكثر من الكم حتى يمكن أن تتحول مصر إلى نمر أفريقي على غرار النمور الآسيوية، مع ضرورة إيجاد نظام للمتابعة الدورية لكافة الاتفاقات التي يتم التوصل إليها مع الدول المختلفة لضمان التنفيذ الجيد والالتزام بالتوقيتات الزمنية وبحيث تتحول هذه الاتفاقات إلى مجال التنفيذ العملي وبما يحقق مصالح شعب مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف