ناصر عراق
5 فروق جوهرية بين ثورة يناير وثورة 19
في مثل هذا اليوم 9 مارس من عام 1919 اندلعت ثورة الشعب المصري ضد الاحتلال البريطاني (عددنا آنذاك كان نحو 13 مليون نسمة وفقًا للدكتور جمال حمدان)، وقد عمّت الثورة أركان مصر كلها، فتصدى لها الإنجليز بوحشية شديدة، وكانت أول ثورة شعبية شاملة في العصر الحديث، ولم يتكرر شبيه لها طوال قرن تقريبًا إلا في يناير 2011، فما الفروق بين الثورتين؟
في ظني أن هناك خمسة فروق جوهرية بين الثورتين توضح لنا: لماذا تحقق كثير من نتائج الثورة الأولى بسرعة، في حين لم يتحقق شيء ذو أهمية من الثورة الثانية باستثناء خلع مبارك ومحق فكرة التوريث؟
الفرق الأول أن ثورة 1919 اشتعلت ضد محتل أجنبي (مسيحي) واضح المعالم، فكان من السهل على قيادات الثورة أن توقظ الشعور الوطني فتحشد الجموع تحت شعار محدد هو (الاستقلال التام أو الموت الزؤام)، بينما ثورة يناير استعرت ضد نظام (وطني) فالرئيس وحكومته كلهم مثلنا (مصريون ومسلمون)، الأمر الذي أدى إلى حدوث تشويش كبير بعد أن هدأ غبار اللحظة الثائرة.
يتمثل الفرق الثاني في أن مصر اقتحمت العصر الحديث في القرن التاسع عشر مع محمد علي والخديو إسماعيل، فأنشأت المصانع وتكونت الأحزاب السياسية وبنت المدارس وأصدرت الصحف وتأسست الفرق المسرحية، فالجامعة المصرية ومدرسة الفنون الجميلة -على سبيل المثال- تأسستا عام 1908، وفرق جورج أبيض والريحاني وعلي الكسار كلها كانت موجودة قبل ثورة 1919، الأمر الذي أشاع مناخا من الوعي العام لدى المصريين جعلهم يستجيبون لنداء الثورة وهم يدركون ما المطلوب منها بالضبط، بينما جاءت ثورة يناير عقب أربعين سنة من التدمير العقلي المنظم للمصريين، فلا تعليم جيد، ولا فنون محترمة، ولا أحزاب سياسية ذات شأن، فتجلت الثورة بوصفها لحظة غضب عارمة نتيجة يأس شامل، فلا هدف واضح ولا برنامج محدد الملامح، الأمر الذي دفع أعداء الثورة إلى الالتفاف حولها بسهولة ووأدها بالتدريج.
أما الفرق الثالث فيبدو في الطبقة التي تقود الثورة، ففي عام 1919 كانت هناك طبقة رأسمالية زراعية ناشئة وطامحة إلى التوسع وزيادة أرباحها من خلال إنشاء مشروعات صناعية بدلا من الاكتفاء بامتلاك الأراضي الزراعية، لكن الاحتلال البريطاني كان يحول دون تحقيق هذا الطموح، ويصر على أن ينهب المصريين بمفرده ولا يريد أن يشاركه مُستغل (بكسر الغين) محلي، من هنا قامت الرأسمالية المصرية بمواجهة هذا الاحتلال، وقد تمكنت بمهاراتها وعلمها أن تقنع الطبقات الشعبية الأدنى بالوقوف معها ضد الإنجليز، لذا فلا عجب أن يكون قادة ثورة 1919 كلهم من الباشوات الذين يملكون الأراضي الزراعية الشاسعة، ولا غرابة في أن أولى النتائج الإيجابية للثورة تتمثل في تأسيس بنك مصر عام 1920، وهو أول بنك برأسمال مصري خالص.
في حين أن ثورة يناير لم تحظ بقيادة طبقية محددة ذات أهداف واضحة، فارتفعت الشعارات الخفاقة في السماء دون أن تجد الأرض التي تقف عليها.
الفرق الرابع يتجسد في رمز ثورة 1919 وهو سعد (باشا) زغلول، هذا الرجل الذي آمنت بقدراته القيادية طبقته الرأسمالية نفسها، وكذلك بقية طبقات الشعب، فالتفوا حوله واقتنعوا به ممثلا لكل الناس في تفاوضه مع الاحتلال، في حين افتقدت ثورة يناير هذا الرمز افتقادا تاما، وتصدر المشهد مجموعة من الشباب الذين يمتلكون الجسارة لكنهم يفتقدون الخبرة السياسية الواجبة (للتفاوض) مع من جاء بعد خلع مبارك مباشرة، لذا كانت النتجية مخيبة للآمال تمامًا!
يبقى الفرق الخامس والأخير، وهو أن الخونة من المصريين الذين تعاونوا مع الإنجليز أطلقوا على ثورة 1919 أنها (ثورة الرعاع)، بينما زبانية مبارك وأبناؤه يصفون ثورة يناير بأنها (مؤامرة).. وما زالوا!
هذه هي الفروق الجوهرية الخمسة بين يناير و1919... وكل ثورة وأنت طيب!