التحرير
عماد حمدى
الديكتاتور العسكري الفاشل
وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري دموي سقط على أثره آلاف القتلى والمصابين من أنصار النظام الذي سبقه، بعد تمهيد استمر لفترة استطاع خلالها السيطرة على كل مؤسسات الدولة لضمان ولائها.

اعتبر كل من لم يؤيد الانقلاب عدوًّا للدولة، ومن ثم أصبح هدفًا للقمع الذي طال غالبية القطاعات الاجتماعية في ظل صمت متواطئ من جانب الطبقة السياسية.




شهدت حقوق الإنسان في عهده انتهاكات غير مسبوقة بحجة تعرض الأمن القومي لتهديدات ممن وصفتهم آلته الدعائية بـ"الأعداء الذين يريدون إسقاط الدولة"، فاكتظت السجون بالمعارضين، وتفاقمت ظاهرتا الاختفاء القسري والتعذيب بعد أن أطلق يد أجهزته الأمنية ومنحها سلطة مطلقة لتعيث في المجتمع قهرا وتنكيلا.

كان الهدف كبح تقدم الحركات الاجتماعية، وتحطيم أى نوع من المعارضة أمام خطته لتركيز الثروة الوطنية في يد الجيش الذي تولى تنفيذ معظم المشروعات التجارية، فتدهور الاقتصاد وارتفعت معدلات التضخم والبطالة كنتيجة حتمية للمنطق العسكري في الإدارة.

فتح الباب واسعا أمام الاستدانة والاقتراض الخارجي، فتفاقمت الديون الخارجية سريعًا لصالح دول محددة حتى أصبحت سياسة الدولة الخارجية رهنًا لإرادة الدائنين الجدد، رغم أن قسمًا كبيرًا من المبالغ المقترضة لم تكن تصل إلى الحسابات القومية، بل كانت تغذي استثمارات الجنرالات، ومصالحهم الاقتصادية، وحساباتهم السرية في الخارج.

خلق لنفسه مجموعات من الحلفاء في الداخل والخارج من شبكات المصالح المستفيدين من وجوده، والتف حوله النفعيون من أصحاب رؤوس الأموال، وبعض الكتاب والإعلاميين الذين تولوا مسئولية الدفاع عن النظام وتجميل صورته أمام الرأي العام.

استشرى الفساد المالي والسياسي في عهده، وزادت معاناة المواطنين فاضطربت الأوضاع داخليا، كما شهدت علاقات الدولة توترًا مع بعض الدول المجاورة، وعاشت البلاد في سنوات حكمه فترة وصفتها المنظمات الحقوقية بالسوداء أو "حكم الرصاص" حيث سجن وقتل وشرد ما يقرب من 30 ألفا من المعارضين.

لم يستمع إلى نصائح الوطنيين بضرورة الإصلاح السريع حتى يحقق استقرارا حقيقيا لا زائفا وينزع فتيل التوتر في الشارع، وأعرض عن كل من حاول تقديم المشورة المخلصة المستندة إلى العلم، واعتبر نفسه القائد المنقذ الذي أرسلته العناية الإلهية في توقيت محدد لتخليص البلاد من خطر يتهددها.

ارتفع منسوب الغضب الشعبي تجاه سياساته، وتآكلت شرعيته سريعًا، فحاول استعادتها ببعض الإنجازات الوهمية، إلا أن الطرق الملتوية التي لجأ إليها لتحقيق ذلك سرعان ما انكشفت أمام الجمهور ليفتضح سراب مشروعه الذي حاول بيعه للشعب.

كانت النتيجة الحتمية لديكتاتوريته واستبداد نظامه هي الهزيمة العسكرية الساحقة وضياع جزء مهم من أراضي الدولة.

السطور السابقة كانت في وصف الديكتاتور الأرجنتيني الراحل خورخي فيديلا، الذي وصل إلى الحكم عام 1976 بانقلاب عسكري أطاح خلاله برئيسة الجمهورية إيزابيل بيرون، حتى أجبرته الاضطرابات الداخلية الناجمة عن الفشل الاقتصادي والهزيمة العسكرية أمام بريطانيا في جزر الفوكلاند عام 1981 على الاستقالة، ليحصل بعدها على أحكام قضائية على مجمل جرائمه وصلت إلى 50 سنة حتى لقي حتفه في السجن عام 2013.

تعلمنا في مادة النظم السياسية المقارنة أن الاستبداد ملة واحدة، وأن ممارسات النظم السلطوية لا تميزها الجغرافيا، ولا يفرقها التاريخ.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف