الوطن
د. محمود خليل
أزمة «30 يونيو» (3)
الطرف الينايرى شارك بقوة هو الآخر فى «30 يونيو» 2013، شارك فيها وهو يعلم أن جانباً لا بأس به من الواقفين إلى جواره فى المظاهرات ينتمون فكراً ووجداناً ورؤية وموقعاً إلى نظام «مبارك» الذى ثار ضده عام 2011، لكن ذلك لم يحُل بينهم وبين المشاركة، قناعة منهم بأن الإخوان يريدون اختطاف الدولة لحساب الجماعة، وهو أمر أغضب المصريين بأطيافهم المختلفة، الأمر الذى برر للكثير من الفرقاء التوحد فى مواجهتهم، ناهيك عن تنكر الإخوان لثورة يناير، بمجرد وصولهم إلى الحكم، وكأنهم أرادوا أن يجعلوها ظهراً مؤقتاً يمتطونه للوصول إلى هدفهم الأكبر.

كان هذا الطرف أول الأطراف التى تم إخراجها من المشهد بمجرد نجاح «30 يونيو»، إذ سرعان ما بادر «الجناح المباركى» إلى وصم «يناير» بـ«المؤامرة»، وبدا ذلك طبيعياً للغاية، فليس من المعقول أن يفسح أحد الطريق لمن ثاروا ضد وجوده، خصوصاً عندما يشعر أنه ركب الموقف، وقد كان الشعور بـ«ركوب الموقف» يدمغ تصرفات أنصار هذا الجناح منذ اللحظات الأولى التى تلت بيان «3 يوليو» وإعلان خارطة المستقبل. رفض وجود «الجناح الينايرى» -بعد 30 يونيو- تم ترجمته فى خطاب إعلامى تابعناه جميعاً دأب على تشويه صورة ثورة يناير ومَن شارك فيها، وفى قانون التظاهر الذى عوقب به عدد من الشباب المحسوبين على «يناير»، وأمام هذه المشاهدات تصور بعض أنصار «الجناح الينايرى» أنهم كانوا مجرد محلل لـ«30 يونيو»، لكن ذلك لم يصرفهم عن لعب الدور نفسه من جديد فى انتخابات الرئاسة عام 2014، حين ترشح «حمدين صباحى» فيها، رغم أن نتيجتها كانت محسومة مسبقاً للرئيس عبدالفتاح السيسى.

الأزمة الحقيقية لـ«الجناح الينايرى» عدم التعلم من الأخطاء، وهى آفة ترتبط بعدم الاعتراف ابتداء بالوقوع فى الخطأ، فسيرة أنصار هذا الجناح منذ الإطاحة بـ«مبارك» هى سيرة أخطاء وتكرار أخطاء، فقد وقعوا فى البداية فى أسر التفكك فى مجموعة من الائتلافات التى عجزت عن التوحُّد، وبدت مفلسة فى طرح رؤية بديلة تستطيع أن تتعامل مع الواقع الجديد الذى أفرزته الثورة، ثم كان الخطأ الأكبر، حين بادر بعض «الينايرجية» إلى مناصرة جماعة الإخوان، دون وعى منهم بمشروع الجماعة، ثم ارتموا بعد ذلك فى أحضان السلطة الجديدة التى لم تكن قد تحددت هويتها بعد عقب نجاح ثورة 30 يونيو، وقد أدت أزمة عدم التعلم من الأخطاء إلى وقوع الجناح الينايرى فى سلسلة من الرهانات الخاسرة. وآخر هذه الرهانات المراهنة على اللعبة القديمة عبر إطلاق مبادرة «البديل المدنى» التى يقودها السيد حمدين صباحى. لم يزل التيار الينايرى يطرق الأشياء من على السطح دون تعمق، حين يتصور أصحابه أن علة السياسة فى مصر تتمثل فى عدم وجود «بديل مدنى» مقابل بديل «الحكم العسكرى» أو «الدولة الدينية»، هذا الرهان خاسر أيضاً، لأن العلة لم تعُد فى شكل الحكم أو رمزه قدر ما تكمن فى امتلاك الرؤية التى يمكن الاستناد إليها فى حل المشكلات. الأهم من أن تقدم لى وجهاً بديلاً أن تقدم رؤية بديلة تقول لى كيف ستحل -على سبيل المثال- أزمة سد النهضة، وأزمة الدولار، وأزمة العجز فى الموازنة، وأزمة العلاقة بين المواطن والشرطة، وأزمة البيروقراطية المصرية؟. الضغط بالفكرة والرؤية التى تستند إلى إجراءات واقعية أخطر بكثير من الضغط بوجوه!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف