اعتادت وزارة التموين ـ في الفترة الأخيرة ـ أن تطمئن المواطنين بأن المخزون الاستراتيجي من السلع الغذائية المستوردة يمتد إلي بضعة أشهر قادمة. وهو ما يفرض السؤال: متي نحقق الاكتفاء الذاتي من تلك السلع المهمة؟!
عندما نتحدث عن المشروع القومي لبلد ما. فإننا نقصد ما يخص غالبية المواطنين. وفي مقدمته القوت الضروري. من خلال الخطط الخمسية والعشرية. التي يعاني بها أي مجتمع يحاول الإضافة والتطوير. ويضعها في أولوية اهتماماته.
ذلك ما حرصت عليه مصر عند إنشاء مجلس الإنتاج القومي الذي بدأ نشاطه عقب ثورة 23 يوليو. بقيادة الاقتصادي الكبير الدكتور إبراهيم حلمي عبدالرحمن. وسار الاقتصاد المصري خطوات جادة. انعكست علي تطورات حياتنا في مجالاتها المختلفة.
إن كل الإنجازات التي أثرت بالإيجاب علي الحياة المصرية. كان باعثها خطط قامت علي دراسات جدوي وأرقام وقراءة للواقع ورؤي للمستقبل.
وكان مد الستينيات ـ في ظني ـ هو هذه الخطط المستقبلية التي وضعها مشروع قومي متكامل. دفع الغرب إلي محاولة إجهاض التجربة.
بعد سنوات علي تولي حسني مبارك حكم البلاد. أبدي دهشته لسؤال عن المشروع القومي الذي يشغله. تحدث عن الكباري التي كان قد بدأ في افتتاحها. وأشار إلي أنها قد تكون مشرواً قومياً مناسباً. لم يكن الرجل يعرف. ولا حاول معاونوه إفهامه أن المشروع القومي لبلد ما يستهدف مناحي الحياة جميعاً. بداية من التربية والتعليم. فالدفاع. والرعاية الاجتماعية والصحية. والثقافة.. وانتهاء بالبنية الأساسية التي يقوم عليها ذلك كله.
لأن المثل يقول إن من لا يجد قوته يفتقد حريته. فإن الزراعة تفرض نفسها مشروعاً قومياً. من العيب ألا نحقق الاكتفاء الذاتي من القمح. وأن نردد القول إننا بلد زراعي. في حين أن الكثير من احتياجاتنا نستورده. بل إن الارتباك الذي كان سمة أداء قيادات الزراعة. أذن بتبوير الأرض الزراعية. وتجريفها. واستورد المبيدات المسرطنة. والتقاوي البديلة لأخري كانت تثمر زراعات مهمة.
نحن في حاجة إلي مشروع قومي. قوامه الزراعة باعتبار أن الطعام لكل فم ـ علي حد تعبير أستاذنا الحكيم ـ وهو مطلب يخص كل المواطنين. فلا معني لأن ننتظر توقعات الوزير حنفي المسئول عن المخزون من السلع. بينما التخطيط المدروس يكفل زيادة الأرض الزراعية. وتوفير المحاصيل بما يسد احتياجات بلادنا. فلا نلجأ إلي الاستيراد إلا بما تمليه الضرورة.
هذا التخطيط ينبغي أن يشمل كل المشروعات لزيادة الأرض. واستنباط محاصيل جديدة. والتأكد من نوعية البذور والتقاوي. وعدم الاقتصار علي وزارة الزراعة. بل يشمل مؤسسات البحث العلمي. والابتكارات الفردية. والحلول غير النمطية. بحيث تصب كل المشروعات والحلول في الهدف النهائي. وهو أن تكفي الرقعة الزراعية احتياجات كل المواطنين من الطعام. إضافة إلي زيادة الدخل القومي بتصدير فائض الإنتاج.