نبيل فكرى
مساء الأمل .. "سبع سنين دأباً"
أكاد أجزم أننا من أكثر الشعوب التي لا تعرف "الدأب" علي الأقل هذه الأيام. وإن عرفته وأصرت عليه. ففيما لا يفيد. فتجد الدأب علي انتظار المباراة. والدأب والجد الصريح في "عشرة طاولة" والأنكي هذا الدأب في المشاكل والمشاحنات. والجدال الذي لا يفيد. وحيث من المفترض أن يكون "الدأب" وهو الجد والجهد والمداومة. لا وجود له.. في المصانع والمصالح العامة.
وليس بالإمكان تفسير السعي الحثيث علي "أكل العيش" وسد الحاجات. أننا نعرف الدأب. فالحقيقة أن الجهد الأهم والمداومة الحقيقية تكون في بناء الأوطان. واتحاد العقل الجمعي في غايات ترتقي بالجميع معاً. فالسنوات السبع التي طالب يوسف. عزيز مصر وشعبه بالزراعة خلالها بدأب. كانت الغاية منها إطعام الكل وتجاوز سبع عجاف قادمة.
"الحالة المصرية في البناء والإصلاح هذه الأيام. وإن كان قوامها الإخلاص من القيادة. إلا أنها مشتتة في مدارات شتي".. يبدو من المستحيل إصلاحها جميعاً في آن واحد. فالمشاكل متراكمة منذ عقود. وبات من المضحك أن نسميها "مشاكل".. إنها "معضلات" وتحديات جسيمة. تحتاج إلي تجزئتها بدلاً من التعامل معها دفعة واحدة.
ولا أقصد من التجزئة أن نهمل قضايا الوطن. أو أن نوقف مسيرة البناء والتنمية. ولكن أن نسير كما نحن. ونخصص عاماً لرُكن من أركان التنمية أو البناء. كعام الصحة. أو التعليم. أو الإسكان. وهكذا.. فتمضي البلاد في مسيرتها تحاول وتجتهد في كل الميادين. مع بقاء ميدان رئيسي تحت المنظار. وتوجه إليه معظم الطاقات. وما تيسر من موازنات وإمكانيات.
ليس بالإمكان علي سبيل ضرب المثل أن أشتري بيتاً خرباً. في مكان لا يليق. وسط جيران يكرهون وجودي. وعُمال لا يقبلون العمل معي. وليس في جيبي إلا القليل. أن أشرع في حل كل تلك المشاكل دفعة واحدة. فأشتري البيت وأتعاقد مع العمال وأذهب إلي الجيران لأتصالح معهم. وأتجه إلي الحي المحيط بالبيت لأجعله لائقاً.. سيكون كل ذلك مضيعة لكثير من الوقت والجهد. وسأظل أراوح مكاني لا للأمام. ولا للخلف. وربما الاحتمال الثاني هو القائم بقوة.
اعتدت في قضايا كتلك أن أقر في وسطها بأنني لست متخصصاً فيها. أو من خبرائها. لكنني سافرت وشاهدت وقرأت. وأعتقد أن فكرة طرح مشكلة سنوية لتكون الشغل الشاغل لمصر والمصريين علي مدار عام كامل. سيكون لها أثر مهم في تحقيق إنجازات كبري وملموسة والفهم الدقيق لكل تفاصيل وتفريعات هذه المشكلة. وهو أمر غير متاح في زحام المشاكل هذا. وجلبة الأصوات. وصراع المتاجرين بهموم الوطن والمتكالبين عليه.
تصوروا معي مثلاً أن نعلن عاماً للتعليم. فتجند كل طاقات الدولة لهذا الهدف. مع قيام كل مؤسسة بما عليها أصلاً في مسيرة التنمية والبناء. ونخصص لمعضلة العام ميزانية أكبر. ونستكشف مشاكلها بروية من خلال قطاعات متخصصة. لكل منها يعمل علي إنجاز ما بين يديه. وإحالته للجنة تنفيذية عليا تتولي تجسيد القرارات والتوصيات علي أرض الواقع؟!.. ستكون هناك فرصة لنقترب أكثر من المدرسة والمدرس والتلميذ وولي الأمر والمنهج والدروس الخصوصية.. سيكون احتفاءً وتقديراً ورغبة حقيقية في حل المشكلة. بدلاً من هذا الإيقاع المكرر الذي يشبه إلي حد كبير حال صاحب المحل كل صباح. حين يسأل عماله: "عندنا إيه النهارده"؟!!
** ما قبل الصباح:
ـ المشاكل مثل الديون.. تحتاج "جدولة".