الأخبار
محمد فتحى
في العضل .. يا واد يا عنصري !!
لا أحب التعميم، لكني أتوقف كثيراً عند العديد من تصرفاتنا كشعب له مزاج عام يميل إلي السخرية من الآخر وتحقيره لدرجة تجعلني أتساءل لماذا لا نعترف أننا شعب عنصري بامتياز. لا أحد يسلم منا حين نضعه في دماغنا. أياً كان.. وفي أي وقت.
هل الأمر له علاقة بالاحتلال الذي لعب بنا الكرة فظللنا محتلين مئات السنين من كل من هب ودب، قبل أن يحتلنا حكامنا ونحتل أنفسنا بميراث الجميع.. أم أن للأمر علاقة بالعقلية المصرية التي لا يعجبها العجب؟
نحن أول من يسخر من أشكال بعضنا البعض، فالقصير هو (قزعة).. واتق شر كل من اقترب إلي الأرض، وكل قصير مكير.
الطويل أهبل، زرافة، أبوطويلة.. وحتي حين يفخر الطويل بنفسه فيقول الطول هيبة فإنه يتبعها بالسخرية من نقيضه وانتقاصه فيستطرد: والقصر خيبة.
الشخص التخين يعاني الأمرين، فالناس تتحرش به في صغره أو تصفه بالتخين الفشلّة، مرات عسكري يأكل البسلة ويعطينا جمبري، في أول حالة عنصرية تستند إلي خيال علمي في التاريخ. التخين هو فيل.. حبظلم.. بكابوظا.. طفس.. ياكل أكل عائلته. يقعد عليك يفطسك، ولا تعرف طبعاً السبب الوجيه الذي سيجعله يقعد عليك، لكن الاتهام جاهز، والسخرية جاهزة.
أما الرفيع النحيف فهو مسلوع.. معصعص.. مش باين.. عصاية.. تنفخ فيه يطير.
ضعيف النظر الذي يرتدي نظارة هو في الأساس أضبش.. أبوأربع عيون.. نظره شيش بيش.. إذا اصطدم بأحدهم أثناء سيره فإن أول كلمة سيسمعها هي: «مش تفتح يا اعمي؟».
صاحب الشعر الكثيف نسخر منه والأقرع نجعله مسخة، وينسحب ذلك علي لون البشرة، فرغم أن لدينا مثلاً يؤكد أن الجمال في السمار فإن أصحاب البشرة السمراء ما زالوا يعانون من السخرية من بشرتهم، صحيح ليس بالشكل الذي كنا نسمع عنه تاريخياً في أمريكا أو في جنوب أفريقيا لكن الأمر ما زال موجوداً، وحين تمد الخيط علي استقامته لا بد أن تصل للسخرية من الأديان وما يتبعها من طقوس أو شعائر أو ملابس، فالمسيحي هو كفتس وعضمة زرقاء و٤ ريشة، بينما الملتحي بمقشة أو متزمت أو رجعي أو ربما رئيس جمهورية.
ليس غريباً إذن أن تكون شتيمتنا لبعضنا البعض بالأم رغم تقديس الأم في دياناتنا ومكانتها، وأن نرفض ازدراء الأديان بينما نسمع سب الدين علي ألسنة من حولنا ليل نهار، وأن ندعي علي بلدنا لكننا نكره من يقول آمين، وأن يدخل الطفل الصغير عندنا فقط تقريباً في حضن أمه حين تضربه، وكلها تبدو متناقضات وازدواجية محفورة بداخلنا ومترجمة في سلوكنا ومشاعرنا.
أشعر أحياناً أن الثورة وجهت كل مشاعرنا السلبية والمختلطة والازدواجية التي نتعامل بها كثيراً مع بعضنا البعض إلي عالم السياسة، فأظهرت أسوأ ما فينا بعد أن كنا نظن أنها أظهرت الأجمل والأنبل، وذهبنا إلي تصنيفات بغيضة أتمني أن نراجع فيها أنفسنا، لاسيما ما يتعلق منها بمن سميناهم الفلول، فأصبحنا نرفض كل ما يقال منهم، ونحاول أن نقصيهم، وتنتهي نقاشاتنا معهم بخناق وسب متبادل ومعايرة بالمواقف، ولو قامت ثورة الآن واستمر أسلوبنا سيصبح الفلول ثواراً والثوار فلولاً وسيظل الاشتباك موجوداً دون أي أمل في مجرد هدنة،
خلافاتنا السياسية أصبحنا نصنف فيها غيرنا ولا ننظر للمرآة حتي نري أنفسنا وكيف تحولنا إلي مسوخ وإقصائيين لأقصي درجة، من يتفق معنا في آرائنا يصبح جميلاً واعياً، ومن يختلف يصبح عدواً ننقلب عليه ويصير فجأة شيطاناً مريداً يجب إحراقه وتلاوة المعوذتين عند رؤيته.
كان هناك أمل كبير في أن ينتهي كل ذلك بمصارحة ومصالحة لم تحدث وغالباً لن تحدث رغم أن هذا ضروري كما تقول تجارب الثورات والفترات الانتقالية الحديثة في تاريخ الشعوب، لكن الأمر الآن وصل مرحلة اللارجعة، ولم نتعلم للأسف الشديد من تجارب غيرنا، ولا حتي من تجاربنا طيلة أكثر من عامين بعد ثورة تفاءلنا بها وظننا أن معها عصا سحرية ستقلب اليابس خضاراً لكنها الآن مدعاة سخرية الآخرين منا، ولا تسافر إلي بلد آخر إلا وتجد أهل هذا البلد يسألونك مستنكرين: ماذا فعلتم بأنفسكم؟!
هذا ليس مقالاً يائساً أو جالداً للذات بقدر ما هو مرآة أدعوك للوقوف أمامها، وللهدوء حين تقيّم غيرك لأن اللي بيته من قزاز ما يحدفش الناس بالثورة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف