المجالس النيابية المفترض فيمن يختارون فيها لتمثيل الشعب هم النخبة أو الصفوة او النماذج التي تمثل الأمة وتحدثت بلسانها وتفكر لمصلحتها وتخطط لمستقبلها. وهم لذلك لابد ان تتوافر فيهم خصال راقية وثقافة مهذبة وعقول مفكرة. يتوافر فيهم السلوك القويم وحسن التصرف بالقول والفعل. فهم نموذج للامة وعنوان لها. قديما في مصر ظهرت نماذج رائعة في الوطنية والاخلاق والثقافة.. رحم الله ايام النصف الاول من القرن العشرين. شرع البرلمان فيها القوانين وحافظ علي ثوابت الاخلاق ودار النقاش باسلوب راق متحضر. من يقرأ عن هذه الفترة يكفيه ان يطلع علي مضبطة البرلمان المصري التي حوت مناقشته للكتاب الاسود. اصدره احد زعماء الامة مكرم عبيد حين انشق عن حزب الوفد ويقرأ الردود التي قيلت تحت قبة البرلمان علي مافي هذا الكتاب.
يبدو اننا سنظل نترحم علي كل قديم وكل مافات في هذا الوطن.. برلمان زمان.. فن زمان.. أسعار زمان.. ثقافة زمان.. وطنية زمان.
مانراه اليوم في البرلمان المصري وما رأيناه فيه خلال عشرين سنة تقريبا يجعلنا نتساءل هل ما يحدث في برلمان مصر يمكن ان يكون مقبولا ومستساغا ويعد من تقاليد الحياة البرلمانية التي تسير الامم وتخطط للشعوب؟!.. هل يعد اختلاف الرأي يحله الضرب بالاحذية والتشابك بالايدي والتفوه بالالفاظ البذيئة التي تنفر منها الاذن وتشمئذ منها النفس؟!.. هب ان أحد الاعضاء صدر منه تصرف يغضب بعض الناس لا يكون تقويمه بضرب الاحذية وتبادل الشتائم؟!.. ماذا ترك الاعضاء لمن يجعل عقله في قبضته وفكره في قوته الجسدية ان كان له قوة؟!.. هل الخلاف بين الناصري وغيره يؤدي الي الانزلاق في هوة الاخطاء وبئر الافعال المشينة؟!.. الم يعلم هؤلاء ان العالم من ورائهم يتابعهم ويقيس اعمالهم ويرصد نجاحهم او اخطاءهم؟!
ان حذاء النائب كمال احمد ليس هو الحذاء الاوحد في مجالس مصر الثورة وانما سبقه حذاء الوزير ذكي بدر حين خلع حذاءه محاولا ضرب نائب الشرقية الوفدي الذي اعترض علي تناول الوزير سمعة رئيس الحزب ووصفه بصفات بذيئة لاتليق بأن تخرج من مسئول امام مجلس النواب. لاسيما أنها لم تكن بسبب يستحق طرحه بالمجلس انما لخلاف وتعصب لحزب ينتمي اليه الوزير وكأن الاحزاب تأسست ليحرم اعضاؤها ومفكروها من انتقاد برامج حزب اخر.
سبقه ايضا حذاء النائب طلعت السادات الذي خلعه مهددا به في المجلس وكأن الحذاء هو الفكر وهو الثقافة وبه يكون الرد الامثل عند الخلاف.
ما رأي الناس واصحاب الفكر والثقافة في هذا البلد اذا كانت المحاورات والمناقشات وتبادل خلافات ديدنها الضرب بالحذاء والتحاور به.. هل تظنون ان ذلك أسهل وافيد وانفع لهذا الوطن المسكين المبتلي بمن يسمون النخية!!