عباس الطرابيلى
أعياد.. أم مناسبات للتسوق؟
كل أعيادنا، القديمة والحديثة، مظهرها الخارجى التعبير عن الحب والمشاركة وكلمات شكر وعرفان.. ولكن باطنها ـ وهدفها الأكبر ـ هو التسوق والبيع والشراء.. حتى المناسبات والأعياد الدينية!!
ففى أعيادنا الدينية: الفطر والأضحى ومولد النبى عليه الصلاة والسلام وموالد الأولياء الصالحين، ولو كانت فى قرى صغيرة.. تحولت الى فرص وأسواق للأكل والشرب واللهو.. ولبيع كل شىء.. وشراء أى شىء بل ان من هذه المناسبات الدينية والموالد، ما تحول الى مناسبات للزواج.. أيضاً!! وتابعوا ما يحدث فى كل الموالد: الحسين.. والسيدة زينب.. والسيد البدوى وسيدى إبراهيم الدسوقى.. والقنائى.. وحتى أبو الحسن الشاذلى، على أقصى نقطة على البحر الأحمر.. ومولد أبوالمعاطى بدمياط وغيرها.. تحولت إلى أسواق.. ولا سوق الجمعة أو سوق الثلاثاء.. أى تحولت جميعها الى «سويقات موسمية».
<< وحديثاً نعيش الكثير من الأعياد، فى مقدمتها عيد الأم الذى نقلها لنا ـ ولكل العرب ـ العملاق على ومصطفى أمين.. والذى أصبح من أشهر أعياد رد الجميل للأمهات.. ان استطعنا أن نرد الجميل.. ولم يعد عيد الأم مناسبة لتقديم وردة للأم الغالية.. أو حتى زجاجة عطر.. أو فستان أو طرحة.. ولكنه أصبح كذلك فرصة لتقديم ما يريح الأمهات: من غسالات وبوتاجازات وغسالات أطباق بل وصلنا الى أجهزة التكييف للتخفيف من معاناة الأمهات صيفاً أو شتاء.. وكذلك رحلات للفسحة.. بهدف إدخال البهجة على الأمهات.. بل ـ ويا عظمة الهدف ـ هناك من يفاجئ أمه بتذكرة طائرة للعمرة والصلاة فى أولى القبلتين، ومجاورة الرسول الكريم فى ثالث الحرمين.. والعمرة، حلم لكل أم. وأراها خير هدية للأم.. وهى كذلك بالفعل.. أى تحول عيد الأم من رمز لرد الجميل الى واحدة، من أكبر مناسبات التجارة والرواج التجارى.. وغالباً ما يصاحب هذه المناسبة.. الأوكازيون الشتوى الكبير.
<< وعيد الحب.. أو ما يطلق عليه الغربيون «الفالانتاين» كبير فى معناه ودعوة للحب وللحياة والانطلاق.. ولكنه تحول من مجرد «وردة حمراء» إلى سوق تجارى: دعوة على الغداء فى الهواء الطلق، أو دعوة على العشاء إلى عمليات تجارية كبيرة سواء للملابس التى تحمل شعار الحب والقلب الأحمر، والأبيض الذى يخفق بالحب والعطاء الى شراء الهدايا وتقديمها للمعشوق، أو المعشوقة.. وربما يكون «المحمول» هو الأكثر مبيعاً ليقدمه العشاق لمن يعشقون.. حتى يتم التواصل.. وبسرعة.. وهات يارغى.. وما كل المصريين إلا أكثر شعوب أهل الأرض رغياً.،. وراجعوا فواتير الموبايل.. وعمليات شحنها.. حتى لا ينتهى الرصيد.. قبل أن تنتهى كلمات العشق والغرام!!
<< وفى أمريكا جاءت مناسبة عيد «الهالوين» مرات عديدة وأنا هناك فى عمل أو نزهات.. ووجدتهم هناك حولوا هذا العيد الى واحدة من أكبر فرص التسوق للكبار.. قبل الصغار، رغم أنه فى الأصل عيد للصغار.. وحتى الصبايا والشباب.. وبدأت فكرته بارتداء ملابس الأشباح والعفاريت، الى كل ما يثير الرعب والخوف.. وهم يتوصلون كل عام الى كل جديد لإحداث صدمة للآخرين.. ولكن ما يلفت النظر ان كل المحلات تضع «سلالاً» مملوءة بالشيكولاتة والبون بون والحلوى، بل والمقرمشات.. ليأخذ منها المارة ما شاءوا.. ليس فقط ليأكلوا.. بل أيضاً يحملوا معهم ما شاءوه!! وتنشط هناك صناعات الملابس والأقنعة والسيوف وكل وسائل الترفيه ـ وهى عمليات تستمر طوال العام، لصنع كل ما يتم طرحه خلال عيد الهالوين هذا.
<< ولم يعد باقياً من هذه الأعياد ـ عندنا وفى الغرب إلا القليل من الهدف الأصلى، وهو إدخال البهجة على نفوس الناس، أما الأهداف التى أصبحت هى الأساس.. فهى الصناعات العديدة التى تقوم بتوفير ما يطلبه الناس من بهجة ومن فرص للسعادة.. وتابعوا معنا حتى لعبة فانوس رمضان الذى لا يحلو شهر الصيام بدون أن نقدمه لأطفالنا.. رغم انتهاء هدفه الأساسى وهو استخدامه لإنارة الطريق منذ دخل المعز لدين الله الفاطمى مصر الى أن دخل الى القصر الكبير الذى أنشأه له قائده الشهير، جوهر الصقلى فاتح مصر للفاطميين.. وكذلك صناعات الكنافة والقطايف وقمر الدين.
ودُقى يامزيكا!!