التحرير
أحمد عبد التواب
مَن يُموِّل الجوائز الذهبية للمنتقبات الجدد؟
لم يهتمّ أحدٌ من قادة الدعوة لنشر النقاب بالتعليق على واقعة القبض على رجل يرتدى نقاباً اقتحم جمعاً نسائياً ودسَّ نفسه فى مصلى السيدات بمسجد الحسين قبل أسبوعين. وهى واقعة مثبتة بعد أن جرى تسليمه إلى الشرطة التى عرضته على النيابة! وكما ترى، فقد كان المفتَرَض أن تنسف الحادثة حجتهم التى تزعم أن أهم أغراضها حماية النساء بالنقاب، بل إنها تعطى إمكانية لمن يقتحم خصوصياتهن أن يقترف فعلته وأن يفلت من العقاب، بل أن تظل فعلته طى الكتمان مع إمكانية تكرارها فى الخفاء، إلا إذا انكشفت بالصدفة كما حدث فى هذه الواقعة.

أضف إلى ذلك، وقائع أخرى يصعب حصرها، عن استخدام النقاب فى السرقة وفى التهريب وفى خطف الأطفال، بل وفى تزوير الانتخابات، بالتصويت بانتحال شخصية أخرى، حيث بات من الصعب التحقق من شخصية الناخبة المختفية تحت النقاب.

وهناك واقعة يؤكد الكثيرون صحتها تدخل مباشرة فى صميم الأمن العام، عندما تمكن قادة الإخوان، بمستوى المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد، من الهروب من ساحة ميدان رابعة بعد أن ارتدوا النقاب، مما كبَّل القوات المشرفة على إخلاء الميدان عن عدم التعرض لهم.

ولكن، وبدلاً من التراجع عن الفكرة غير العملية للترويج للنقاب، أو حتى التوقف للتساؤل عن جدواها وعن مخاطرها على الأمن العام وأمن المواطنين، إذا بالأمور تسير عكس المنطق، بتصعيد إحدى الجمعيات السلفية الشهيرة من حملتها بعرض منح جائزة حَلَق من الذهب لمن تدخل عالم النقاب! ورفعت الجمعية شعارات متعددة تصبّ فى ذات الغرض، مثل: "نقاب يصون، أو تنهش العيون"، و"نقابك عنوان وقارك"، و"نقابك عنوان عفافك"، و"أنتِ ملكة بنقابك"..إلخ. إضافة إلى جائزة كبرى بمنحة إلى السعودية للحصول على الدكتواره فى فوائد النقاب.

الجائزة الذهبية غريبة، لأن الحَلَق ليس من زينة المنتقبات، ولا حتى المحجبات، لأن الأُذُن بالكامل مغطاة تحت النقاب أو الحجاب! بما يعنى أن المقصود هو القيمة المادية التى سوف تنتفع بها من تتحصل على الجائزة عندما تذهب لبيعها فى سوق الصاغة! فهل يصح بعد هذا أن تُسمَّى "جائزة" أم هى رشوة صريحة، أو على الأقل هى طُعم لاستدراج زبونات جدد؟

من المتوقع، بالحد الأدنى من القدرة على الفهم والاستنتاج، أن المتيسرات، وأيضاً الفقيرات ذوات الكرامة المعتدات بذواتهن، سوف يتعففن عن قبول هذه الرشوة إذا كنّ مقتنعات بارتداء النقاب. وبالرغم من هذا، فمن الطبيعى أن يكون هناك جمهور عريض من المتسولات أو المعدمات أو بائعات المناديل فى إشارات المرور يستسلمن أمام إغراء الذهب ويرتدين النقاب، ليتحقق للبعض ما يرمون إليه من أن يسيطر النقاب على المشهد فى الطريق العام.

السؤال المهم، من مجموعة أسئلة مهمة، هو من يموِّل هذه الجوائز (الرشاوى)؟ خاصة أن المروجين لم يضعوا سقفاً لعدد الفائزات، كما لم يضعوا حداً زمنياً تتوقف فيه عطايا الذهب! كما أنه ليس هنالك ضمان لأن تخلغ النقاب من تحصلت على الذهب، وتعود بعد أيام لتكرار العملية! فهل هنالك ميزانية مفتوحة؟

طيب، ألا يُحرِّك هذا أجهزة رسمية فى الدولة يُناط بها مسؤولية مراجعة هذه التصرفات؟

الخلاصة، أنه قد صار لدينا اتجاه شديد الإلحاح على إعلان تواجده، ويعمل المنتمون إلى هذا الاتجاه بأقصى طاقتهم على أن يصل صوتهم عبر أكثر الميكرفونات إزعاجاً ليطرحوا فيها أفكارهم ويروجون لها. وهم، وللغرابة، وكلما تعددت الاجتهادات فى الموضوع الواحد، اختاروا أعسرها وأكثرها ضرراً على الصالح العام! هناك، مثلاً، نصوص فى القرآن والسنة واضحة عن مودة أهل الكتاب، ولكنهم يطرحونها جانباً بعد أن يكدّوا فى البحث عن تأويلات تجيز لهم أن يبغضوا الأقباط وأن يعزلوهم وأن يحرِّموا التعامل معهم!
وهناك نصوص أخرى تحض على لين القلب والتعاطف، فإذا بهم يتبنون آراء تجيز العنف ورفع السلاح!

وهناك فتاوى تاريخية ومعاصرة تقطع بأن النقاب عادة وليس عبادة، وأنه أسبق من الإسلام، وبأنه غير واجب على المرأة المسلمة. ولكنهم يصرون على وجوبه، بل ويفرضه بعضهم على الصغيرات فى طفولتهن!

وعندما يريدون الرطانة بلغة العصر، فهم يستغلون أكبر الشعارات وأكثرها تألقاً لتوظيفها فى سبيل دعم حفريات أفكارهم، فيحدثونك عن أن النقاب حرية شخصية مما تدعمه مبادئ حقوق الإنسان السامية فى أكثر الدول ديمقراطية وتحضراً. ولكنهم يجحدون بالمطلق أن يتحدث أحد بكلمة واحدة عن الحرية فى التعرى، أو عن الدفاع عن المايوه فى الشاطئ!

وهم فى كل الأحوال يستهجنون الاحتشام المدينى السائد، ويعتبرونه تعرياً خادشاً لحيائهم! وتدهورت الأمور إلى حد التعرض لمن لا تلتزم بآرئهم فى بعض الأحياء التى يكاد ينعدم فيها وجود أجهزة الدولة، بما يُعرِّض المواطنين والمواطنات لسطوة هذه العقليات.

لذلك، وعلى الأقل بسبب دواعى الأمن، ولأسباب أخرى كثيرة، فإنه يجب دعم مشروع القانون الذى يدفع به بعض النواب من أجل منع النقاب فى مؤسسات الدولة وفى المرافق العامة. وليت القانون ينصّ بصريح العبارة على منع فرض النقاب على الفتيات فى عمر الطفولة اللائى لا يُستَحب أن تنشغل عقولهن الصغيرة بمسائل أصعب من استيعابهن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف