انزعج الأزهر كثيرًا واجتمع ليصدر بيانًا من هيئة كبار العلماء بخصوص ما سماه الأقلام الشاردة، وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة، إلى آخر تلك التهم وتلك اللغة التي تتسم بالاستعلاء والانغلاق وعدم قبول أي آراء مخالفة. ومن ضمن النقاط الخمس التي طرحها قضية التعليم ما قبل الجامعي وتوحيده، واعتبرها كما قال في بيانه دعاوى وأباطيل غير مسبوقة، ومنها قضية الإسراء ومكان المسجد الأقصى، وتلك القضية الجدلية التي أثارها المفكر الكبير يوسف زيدان، ولمح إلى قضية أحمد ناجي تحت عنوان الحط من قيمة خلق الحياء.
وقد جاء على لساني في موقع "مصر العربية"، رفضي للتعليم الأزهري والدعوة إلى توحيد التعليم ماقبل الجامعي، وهذا حقًّا ما دعوت إليه، ولكن في نفس التقرير فإن الشيخ سالم عبد الجليل، وهو من شيوخ الأزهر المعتمدين ولا توجد عليهم تحفظات من المؤسسة، من أمثال الدكتور أحمد كريمة أو الدكتور سعد الهلالي، أو الشيخ عبد الله نصر، وقد طالب سالم عبد الجليل بتقليص عدد المعاهد الأزهرية إلى 12، وهو أقرب إلى الإلغاء، وقد عبر عن المستوى المتدني للتعليم في الأزهر، وهو يرى أن تقليص العدد، ربما يؤدي إلى القدرة على التركيز، والاختيار لإخراج أجيال متميزة وأكثر كفاءة.
والتعليم الأزهري من وجهة نظري له عدة سلبيات:
أولًا: تم حصر جامعة الأزهر على خريجي المعاهد الأزهرية، وهو بذلك لا يتسم بالعدالة، لأن اختيار نوع التعليم، هو اختيار ولي الأمر وليس الطفل الصغير، فلماذا نضع الموانع أمام شاب يافع بلغ الثامنة عشرة من العمر، أن يرى أنه يريد دراسة العلوم الدينية بشكل أكاديمي، فيفاجأ بأن اختيار نوع التعليم من قبل أبيه في سنوات عمره الأولى يقف عائقًا أمام دراسته.
ثانيًا: فكرة أن يقضي الطالب الأزهري عمره كله دون أن يكون له صديق مسيحي أو زميل، تصنع جفوة كبيرة بينه وبين المسيحي ناهيك بالأفكار المبثوثة عن الولاء والبراء والحشر مع من تحب، حتى يخرج بلا قبول للآخر واعتباره أنه ما هو إلا ذمي نمارس عليه الولاية ويجب إخضاعه للأكثرية، ولذلك فمن المستحيل أن شابًّا أزهريًّا له أصدقاء مقربون مسيحيون، إلا ما ندر من حالات خاصة جدا.
ثالثًا: فكرة الفصل بين الفتى والفتاة من المرحلة الابتدائية، يصنع فجوة إنسانية كبيرة مع الجنس الآخر، وربما لا يراه إلا من منطلق شهواني بعيدًا عن أي أبعاد إنسانية أخرى، وبعيدًا عن التعميم، فهذه القضية عليها دراسات كثيرة غربية وشرقية من الممكن العودة إليها، ولكن في النهاية تكون علاقة الشاب الأزهري مع المرأة أكثر خشونة وأكثر تعاليًا وأقل احترامًا، ناهيك أيضًا بكل الأفكار السلبية المبثوثة في كتب التراث عن المرأة، وأنها خلقت من ضلع أعوج، وأن معظم أهل النار من النساء وهكذا فهو تراث ذكوري بامتياز.
رابعًا: طالب التعليم الأزهري يتمتع بميزانية تعادل ثلاثة أضعاف طالب التعليم الحكومي على الأقل التعليم الأساسي ليس اختيار الأبناء ولكنه بالطبع اختيار الآباء، ويتمتع الطالب، بمساحات أفضل لكل طالب في المؤسسة التعليمية وبالتالي خدمات تعليمية متعددة أعلى (بعض فصول التعليم الأزهري بها عشرون طالبًا فقط ومساحتها ضعف مساحة فصول الحكومة)، ونحن لدينا أزمة كبيرة في عدد الفصول، ومدارس الفترتين ومدارس الثلاث فترات، التي تكون الفترات الثانية هي ليست تعليمًا، ولكنها عملية تهريج منظم، حيث يمضي الطالب ما لا يزيد على ساعتين في التعليم المسائي، ولو ضمت تلك العشرة آلاف معهد إلى التعليم الحكومي، ستحدث انفراجة كبيرة في كثافة الفصول أو على الأقل في مدارس الفترتين.
خامسًا: الحفظ، تعتمد المناهج الأزهرية على الحفظ بشكل كبير فمطلوب من طالب الثانوية الأزهرية أن يكون قد ختم القرآن الكريم، والتراث الديني بشكل عام يعتمد على الحفظ وهناك بيت شعر تأسيسي في هذا الأمر يعتبر دستورًا للحفظ، ينسب هذا البيت للإمام الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرنــي بـأن الـعلـم نــور ونـور الله لا يـهدى لـعاصي
ويحكى أنه فشل في الحفظ لمدة ثلاثة أيام، فأخذ يتذكر معاصيه، فتذكر أنه نظر إلى كعب امرأة ؟!
وبعيدًا عن الدقة أو عدم الدقة في تلك الروايات، ولكنه التأسيس أنك يجب أن تحفظ، وإن فشلت فأنت ابن ستين في سبعين ترتكب المعاصي، رغم أن الحفظ هي قضية فروق فردية بالأساس، بل على العكس، ربما الأضعف في الحفظ يكون أكثر في التحليل، ويفاجأ الطالب الأزهري، أنه اتوحل في أمر فوق قدراته بسبب اختيارات والديه، وسار في مسار مجبر عليه، يطبع عليه مزيدًا من التعقيدات النفسية، وأحيانًا ما تصل إلى حد الكراهية، لأنه يرسب في القرآن مرة ومرات، وتتحول إلى عقدة مع الوقت، حتى يكره النظر إلى المصحف، لأنه يذكره بفشله، ويكون أشبه بطالب الأدبي الذي يكره الرياضيات أو يكره الفيزياء بسبب رسوبه فيها في أولي ثانوي مثلاً وكثيرا ما نرى طالبًا يخرج من الامتحان ليمزق كتابًا للرياضيات للانتقام منه بسبب آلامه معه على مدار العام، ومن الأفضل أن تكون بشكل اختياري عن طريق إجازات يختارها الشاب بملء إرادته في سن معقولة يكون قد نضج وحدد اختياراته، بالإضافة أنني أرى أن نخفض من اهتمامنا بقضية الحفظ، لأنها من المؤكد أنها تطغى على أمور أخرى، ويتحول العقل الإنساني إلى مجرد وعاء للملء، وكثيرًا ما يكون حفظًا دون أي إدراك للمعاني والمضامين.
وفي المحصلة تحدث التجاوزات والغش في الامتحانات، ونسبة حافظي القرآن من خريجي الثانوية الأزهرية ضئيلة للغاية، لأنها معاكسة للفطرة البشرية، أقصد فيها الإجبار للملايين دون اعتبار للفروق الفردية.
المناهج: المناهج التراثية التي يتم تدريسها في الأزهر قضية كبيرة ومهمة ورغم محاولات التنقيح والتهذيب، ولكنها ما زالت في المحصلة النهائية سيئة للغاية، لأن الآلية المعتمدة لدى الأزهر من قديم هي الأحادية وتثبيت القديم، وعدم تجاوز الأئمة السابقين، ويتم حشر الطالب في المذهبية فعليه اختيار إمام لينتسب إليه من الأئمة الثلاثة، الشافعي وأبي حنيفة ومالك، وقد رفض ابن حنبل في الأزهر، إلى أن أجيز قليلاً في عدد محدود من المعاهد مجاملة للسعودية، فالوضع على قضيب القطار بهذا الشكل، دون أدنى دراسة للفلسفة والعلوم المقارنة، والدراسة الموضوعية النقدية التي تعصف بالذهن وتدفع إلى الابتكار والإبداع، ولكن فلسفة الأزهر للإبداع أنه بدعة والبدعة ضلالة والضلالة في النار.
نحن في مأزق كبير، ويجب على الأزهر أن لا يأخذ الأمور بعصبية وتوتر، ويأخذها بدافع الاتهام كأنه يدافع عن شرفه، فكلنا هدفنا الأعلى هذا الوطن، ولا أدعي أنني أمتلك الحقيقة والصواب، فلتعقد جلسات النقاش والحلقات النقاشية لمناقشة الأمر، ونلجأ لمراكز البحث، لنضع أيدينا على مواطن القصور، ونحاول الوصول إلى أمور وسط، ووضع الأمور تحت منظار البحث والتقويم الدائم، ولا نحول القضية إلى قضية دين وثوابت وأن ما نقوم به غير مسبوق ولم يقم به الاحتلال نفسه، على حد تعبير الأزهر الشريف.