يقول صديقى: لم أعد أقرأ الصحف. زهقت من التوك شو، قرفت من الأعمدة الصحفية، الكل يتحدث لشخص واحد، ولا أحد يتحدث إلينا، إلى الناس. جرب أن تحلل موضوعات المقالات وستجد أنها مكتوبة لشخص واحد يوجه له الجميع نصائح الحكم، وكأنهم حكموا من قبل، أو يسخطون مما يفعل، وكأنهم يكتوون بناره بالفعل، أما الحقيقة، فهى أنكم الآن تفعلون مثلما فعلت 25 يناير وخسرت، الكل يتحدث باسم الناس، ولا أحد مع الناس. الكل يحاول أن يلفت نظر الحاكم محذراً إياه من كل شىء، ولا أحد ينير للناس الطريق، ليمشوا فيه، تصدرون إلينا فشلكم فى الوصول إليه أو الجلوس بجواره أو الحصول على منصب أو الظهور معه فى نفس الكادر أو تصدير أنفسكم كمستشارين وعالمين ببواطن الأمور، أو تصفون حساباتكم مع بعضكم بعضاً، وتدعونه للتدخل، أو تدخلون فى معارك تريدونه أن ينتصر لكم فيها، مرة معركة الثورة والفلول، ومرة معركة 25 يناير أم 30 يونيو، ومرة معركة البرلمان، ومرات ومرات معارك أخرى لا تسألون أنفسكم بعدها: هل هى معركة اللحظة؟؟، وهل هذا هو دوره: الانتصار لكم فى المعارك؟؟
بالتأكيد هو مخطئ فى بعض الأمور، يده مغلولة فى أمور أخرى. تختلف معه فى أمور ثالثة، لكنك تريد أن تحكم بدلاً منه، وأن يصلح على طريقتك، وأن يفعل ما تقوله، وإلا فالدولة رايحة فى داهية!!
أنا معك أن هناك قطاعات محبطة، وأن التوقعات كانت عالية، لكن فى أى مجال؟؟
لا تكتب عن الإنجازات يا سيدى، اكتب عن التحديات، اقترح أفكاراً، عرّفنى ماذا أفعل فى أزمة الدولار، أشركنى فى تجارب ناجحة، قدم لى كفاءة تعيننى، اشرح لى أبعاد القضايا التى يتكالب علينا فيها العالم، فتصبح فضائحنا بجلاجل، لكن المهم، وأرجوك: تكلم بصوت أسمعه لا بصوت أنفر منه. اكتب لتنصح لا لتطعن بقلمك، أو تهدد به. كن مع بلدك لا عليه، وليس معه أو عليه، فهو سيذهب، وسيأتى غيره، وستصدر له نفس المشكلة، وسيصدر لك نفس المشاكل، طالما ندور فى نفس الدوائر المغلقة، ولن نصل إلى حل، وسيكره جميعنا الآخر، ثم ستأتى لحظة يتحول فيها إلى ديكتاتور حقيقى، سائلاً نفسه: طالما لا كده نافع ولا كده نافع فلأفعلها، كما أريد لا كما تريدون لى أن أفعل مهما كانت الظروف، ولحظتها: مرحباً بك فى بلد ينتحر، وأنت لن تفعل شيئاً سوى أن تجلس وتنتحب.
.. .. ..
أقول لصديقى: معك كل الحق.. نكتب لشخص واحد، فلماذا وصلنا لذلك الأمر؟؟
وصلنا لتلك اللحظة حين انسدت أمامنا العديد من الطرق، وأوصدت الأبواب، وتراجع الأداء، وتباطأ الإنجاز، أو تم تأجيله ليوم لا ندرى هل سنشهده، أم أننا صبرنا بما فيه الكفاية حتى نفد رصيدنا من الصبر. المعلومات غير متاحة، والأداء أقل من التوقعات، والحكومة فاشلة، والتسويق غير موجود، والهجوم على الإعلام دائم وكأن الإعلام هو من صنع الأزمات، رغم أن إعلام الدولة نفسه فى الحضيض ولم يفكر أحد فى إصلاحه.
وصلنا لتلك اللحظة حين ماتت السياسة، وحين اختلفت أولوياتنا فاختصرها البعض فى الحريات، واختصرها آخرون فى البناء، وكأنهما ماء وزيت لا يختلطان، فلماذا لا نبنى ونحن أحرار، ولماذا لا نصلح ونحن نبنى، ولماذا لا نقف فى مساحة مشتركة اسمها حب الوطن.
وصلنا لتلك اللحظة حين اقترب أصحاب الصوت العالى وبعد أصحاب الفكر، وحين نصحنا فلم يصل النصح، وشاركنا فعرقلنا الروتين، وتململت الأجهزة، وابتسم الفساد فى سخرية، وصدمتنا الاختيارات، وأوجعتنا صرخات المظلومين، وأصبحنا فى سرادق عزاء دائم ننعى فيه شهداءنا، ثم حين نشير لأوجه القصور ينبح علينا من يظننا خونة وعملاء، وكأننا يجب أن نقف على خشبة المسرح لنلقى بالنقوط رغم أن العروسة لم تأت بعد!!!
وصلنا لتلك اللحظة فى وجود حكومة بلا رؤية، تنام مبكراً ولا تستيقظ، ولا تجدى معها قبلة الحياة، وبرلمان فاحت رائحته بوجود من لا يستحق، لاغياً إنجاز وجود شباب لم يعاونهم أحد فى الوصول لما صاروا إليه، وبدلاً من دعم تجربتهم، تركنا (اللى يسوى واللى مايسواش) يصبح نائباً، بدلاً من أن نطبق عليهم القانون قبل سنوات ليجلسوا فى أماكنهم الطبيعية فى السجن!!
وصلنا لتلك اللحظة فى توقيت صعب نريد فيه المشاركة، فيقال: خدوا الكاميرات وصوروا، لكنّ أحداً لا يعطيك معلومة كاملة، وبدلاً من أن يساعدك حين تسأل يشكك فيك وفى نواياك، ليستغل الأمر عدو يريد أن يعود ولو على جثة وطن أنهكته جروح أبنائه من كل حدب وصوب، وكلنا مسئولون، فلا تنفض عن نفسك المسئولية.
أصبحنا نكتب لشخص واحد، لأن كل من تحته لا يفعلون شيئاً، وحين نريد مساعدتهم لا يردون، ولا نجد كفاءة نعتمد عليها، ولا فيهم رجل حكيم، فى كل المؤسسات، وعدّد كما تريد، وأخبرنى عمن تعرفه من الحكماء فى أى مجال يمكن أن نستفيد منه، لتكتشف أن الحكماء ذهبوا!!
تتحدث عن مساحة مشتركة، فهيا نبنيها، ليس مع شخص واحد ولكن مع الجميع.
أدر أزماتك، لا تصدّرها، ولا تجعلنا شماعة، واستفد منا، ولا تجعلنا خصوماً، فلن نختصم وطناً حلمنا به، ولن نقبل بأن ينقلب الحلم إلى كابوس.
أخرج المظلومين، وأمدنا بمعلومات، وسنكون عوناً لهذا الوطن، ومن كان فى عون الوطن كان فى عون الناس، ومنهم رئيسه، أما من كان فى عون الرئيس وحده، فالله أعلم هل يفعل ذلك من أجل الوطن والناس أم من أجل رضا الرئيس.
الوقت لم يفت يا عزيزى. لم يفت يا صديقى. لم يفت يا سيادة المواطن. لم يفت يا رئيس الجمهورية. لم يفت يا كل محبط، لكن دعونا نتحاور ونسمع ونرتب الأولويات. دعونا نعد ما استطعنا من قوة وحكمة وليس من صراعات لا طائل منها، وليفعل كل منا دوره دون أن ينظر للآخرين، ولماذا لم يفعلوا دورهم. وليطبق القانون على الجميع، ولتبعد الشخصيات الحقيرة التى وجدت متسعاً لها فى خواء المجال العام، وإخلائه المقصود، ولنفكر فيما يكتب، لا فيمن كتبه، لأن الرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال.
نحن الآن فى عام الشباب، فلماذا لا تبدأوا بحوار حقيقى مع الشباب.
أقيموا حواراً حقيقياً فى الجامعات والمدارس والنوادى ومراكز الشباب والشوارع والحارات والساحات والمساجد والكنائس، وحتى على السوشيال ميديا. الحقوا الوطن، قبل أن تطلبوا أن نلحق به. أبعدوا من لا يستحق، ونظّفوا المجال العام من الغبار، الذى يجب أن يذهب بلا رجعة، فهذا هو الانحياز الحقيقى المطلوب.. لرؤية واضحة، أو لغبار دائم. أنتم من تحددون.