الوطن
د. محمود خليل
أزمة «30 يونيو» (5)
الشعب هو الطرف الأخطر والأهم فى حزمة أطراف «30 يونيو». والأدق فى هذا السياق أن نحدد مفهوم الشعب فى «الكتلة العائمة»، أى الكتلة غير المسيسة، التى لا يحكمها ذلك الولع، الذى يسيطر على غيرها، من الأطراف الأخرى لـ«30 يونيو»، التى تتحدد فى الجناح الينايرى، والجناح المباركى، والطرف الممثل فى الرئيس عبدالفتاح السيسى. هذه الكتلة التى تدفقت إلى الشوارع بالملايين فى ذلك اليوم، بعد أن أصابها قدر كبير من الإحباط جراء فشل الرئيس المعزول فى إدارة الدولة، وقدر كبير من الخوف نتيجة الممارسات والتهديدات التى انطلقت على ألسنة الإخوان، فى محاولة منهم لإثناء الشعب عن النزول، فأدت إلى ردود أفعال عكسية.

هذه الكتلة العريضة تريد شيئاً واحداً هو الاستقرار، ولا تكترث كثيراً بادعاء كل طرف من أطراف «30 يونيو» أنه الأكثر تعبيراً عنها، وعن رغباتها وأحلامها، فما يعنيها هو النتائج، وليس المقدمات، وقد التفت هذه الكتلة حول الرئيس عبدالفتاح السياسى بعد «30 يونيو»، بعد أن داعب أحلامها، وأحسوا بأنه الوحيد القادر على إنقاذ الموقف وإعادة الاستقرار، وتسيير الحياة، فى وقت كانت تشعر فيه بأقصى درجات الإرهاق، ووقف الحال، نتيجة حالة الفوران التى أعقبت ثورة يناير، وهى حالة ترافق التغيير داخل أى مجتمع، لكن استمراريتها فى بلد يعانى مثلما يعانى المواطن فى بلدنا أمر له مشقته «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها». الشعب هو الورقة التى راهنت عليها كل الأطراف الأخرى، التى شاركت فى «30 يونيو»: الينايرجية، والمباركيين، والرئيس «السيسى» بالطبع، وفى لحظات يشعر كل طرف من هذه الأطراف أن هذه الورقة لا تزال فى جيبه، وأن بمقدوره التحكم فى حركته، لكن الشعب مع نفسه، ومع ما يعانيه من مشكلات، فى كل اللحظات. الأطراف المتصارعة مع الرئيس تظن أن بإمكانها تحريك الشعب، والينايرجية يرون أنهم الأقدر على ذلك من أجل استكمال مطالب الثورة، والرئيس واثق من أن الشعب معه.

المصريون متضجرون ومحبطون، هذا أمر يمكن أن تلحظه بسهولة من تأمل خرائط وجوههم أو الاستماع إلى أحاديثهم، يشعرون بتزايد الضغوط المعيشية عليهم، يتهامسون حول عودة بعض أجهزة الدولة إلى ممارساتها السابقة، يستمعون إلى رسائل ظاهرة ومبطنة، يبعث بها كل طرف من أطراف «30 يونيو» عبر وسائل الإعلام. فى كل الأحوال المصريون حالياً يحلمون بـ«صلاح الأحوال»، من المرجح أنهم غير راضين عن أوضاعهم، لكن المؤكد أن حبال الصبر لديهم ما زالت قادرة على التمدد. ربما فكروا فى تغيير الواقع الضاغط الذى يعانون من وطأته، لكن أغلبهم لا يطمئن إلى العاقبة، ويخشى أن يأتى أى تغيير جديد بما هو أسوأ. جوهر أزمة الشعب المصرى حالياً هى فى ذلك التراوح بين القبول بالضغوط الحالية، والخشية من أن يؤدى الخروج بهدف تغييرها إلى ضغوط أشد وطأة. الشعب يمكث منتظراً على أمل أن يستطيع الرئيس تغيير الأوضاع، وتخفيف الضغوط التى يعانى منها المواطن، يتأمل أن تأتى المشروعات القومية التى يصر عليها الرئيس إلى تحسين الأحوال.. المصريون يعيشون حالياً بمعادلة: «ننتظر.. لعل وعسى».. ترى هل سيتلفع الناس بحبال الصبر، والانتظار طويلاً؟.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف