المساء
عبد المنعم السلمونى
حروف متحركة -الجنيه المريض!!
لا شك في أن الجنيه المصري يعاني من مرض عضال يحتاج لعلاج حاسم وجذري. بعيدا عن المسكنات المؤقتة والأدوية الزائفة. التي لا تقدم ولا تؤخر!
ومرض الجنيه قديم وتشخيصه دائما يكون خاطئا. حيث نتحدث دائما عن ارتفاع أسعار الدولار والعملات الأجنبية والسلع. دون أن نشخص الحالة بأنه ضعف الجنيه وتدهور قيمته. وهو التشخيص الصحيح والدقيق للحالة.
والتشخيص الخاطئ دائما ما يأتي بعلاج خاطئ. أو يأتي بمضاعفات أشد خطورة وبالتالي تتفاقم الحالة ونصبح كمن يدفن رأسه في الرمال. إما خوفا من الحالة أو هربا من مواجهتها.
والحقيقة اننا سبق وأن واجهنا أمراض الجنيه من قبل بنفس العلاج. الذي نكرره في كل مرة. وبعد أن نقدم بعض المسكنات والحلول غير الفعالة تستقر الحالة عند مستوي أدني من سابقتها. ثم نستسلم لذلك حتي يصاب الجنيه بانتكاسة جديدة ويتكرر السيناريو نفسه بعد تخفيض قيمة الجنيه رسميا. وهكذا دواليك.
والسبب في ضعف الجنيه وانتكاساته المتكررة لا يعود لأحد غيرنا. نعم.. نحن السبب في تآكل قيمة الجنيه وانهيار قوته الشرائية. ومع ذلك نصرخ كلما ارتفعت الأسعار أو كلما ارتفع سعر الدولار. حسبما نريد إيهام أنفسنا.
والخطأ ليس خطأ الحكومات المتعاقبة وحدها. وإن كانت تتحمل الوزر الأكبر في ذلك. نتيجة لتخبط السياسات المالية والإدارية. وإنما هو خطأ مشترك بين الحكومة والشعب.
ولا شك في أن السنوات الأخيرة. وما شهدته فيها البلاد من اضطرابات وفوضي. كان لها دور كبير في الحالة الاقتصادية المتردية. التي نمر بها ولا نحسد عليها. لكن إلقاء التبعة علي السنوات الأخيرة فقط. فيه نوع من التبسيط والتسطيح غير الموضوعي. فالمشكلة جذورها تضرب في أعماق العقود الماضية.
وبصراحة أكبر. فقد أدت السياسات الحكومية. علي مدي عقود. إلي تدمير قلاعنا الصناعية التي أقيمت بعد ثورة يوليو. تارة بدعوي الخصخصة أو بدعوي أن الحكومة لا تدير المشروعات وإنما تضع التشريعات التي تيسر لرجال الأعمال إقامة مشروعاتهم. وتحمي المنافسة وتحاف علي الجودة.
لكن النتيجة أن الحكومات السابقة لم تفلح. لا في إدارة المشروعات ولا في تشجيع المستثمرين ولا في وضع التشريعات التي يفترض أن تيسر إقامة المشروعات أو التي تحمي المنافسة أو تضبط الجودة وتحمي المستهلك. وحتي ما تم اتخاذه من خطوات في هذه المجالات ل حبرا علي ورق.
والنتيجة أيضا تفشي أمراض الفساد والمحسوبية وانهيار الانتاج في مختلف المجالات الزراعية والصناعية. واستسهل رجال الأعمال استيراد السلع "جاهزة" من الخارج بدلا من إنشاء المصانع التي تنتج وتصدر وتوفر فرص العمل. وتحقق قيمة مضافة للمواد الخام. بدلا من تصديرها بأبخس الأسعار.
وأمراض الفساد لم تقتصر علي بعض المسئولين الحكوميين ولا علي رجال الأعمال فقط. وإنما امتدت هذه الأمراض لتشمل العمال والموفين الذين أصبحوا يتقاضون مرتباتهم دون أن يقدموا عملا. لدرجة إن إحدي الاحصاءات. التي نشرت منذ فترة. أشارت إلي أن متوسط عمل الإنسان المصري لا يتجاوز 27 دقيقة يوميا.. وبالتالي انتقلت أمراضنا لتصيب الجنيه.
من هنا يأتي التساؤل:
كيف يكون للجنيه. الذي نتقاضاه كمرتب. قيمة دون أن يقابل هذا المرتب انتاج نصدره أو نطرحه في الأسواق المحلية لتلبية احتياجاتنا؟
لا علاج لأمراض الجنيه دون انتاج ودون تصدير ودون القضاء علي الفساد بكافة أشكاله وألوانه ودون أن نعمل بضمير حي وإرادة صادقة.
إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف